لقد سنت المجتمعات الإنسانية منذ أقدم العصور التشريعات القانونية، لتنظيم علاقات ومعاملات الأفراد ببعضهم البعض، ولترسيخ العدالة والمساواة بحسب القيم والمعتقدات السائدة لدى هذه الشعوب، ثم تم تدوين هذه القوانين بصورة واضحة وعلنية، كما حدث في مملكة بابل عندما تم تدوين القانون البابلي على الحجر، ثم وضعت نسخ منه في جميع أرجائها ليراه الناس، وهذا يوضح بجلاء أهمية سيادة القانون في أبسط صوره ومعانيه عن طريق ممارسة السلطة لسلطاتها وفق قوانين مكتوبة تتميز بوضوحها وعلانيتها، لتحترم من الجميع فهم تحت القانون ولا يوجد استثناء في ذلك (المساواة أمام القانون)، ولضمان قيم العدالة والمساواة وتعزيز الانتماء والولاء للوطن، وأن جميع أفراد المجتمع سواسية دون أي استثناءات أو امتيازات عن طريق تحقيق مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص، والإيمان بسيادة القانون والشفافية والنزاهة، وعدم الإيمان بالواسطة والمحاباة والمحسوبية وتجريمها كأنواع من الفساد الإداري، مما يؤدي إلى المساواة في الحقوق والواجبات، كما إن هذه القوانين المقننة والواضحة والمعلنة مهمة للجميع، ولكنها أهم للمستثمرين والسياح، فلا يوجد استثمار وسياحة ناجحة ومطمئنة في أي بلد دون وجود هذه القوانين، والتي تمارس بشمولية وبعيداً عن الانتقائية، كقوانين المرور، والعمل، والتعليم، والصحة وغيرها. ولكنه ينتشر في عدد من مجتمعات العالم الثالث عدم احترام هذه القوانين، فقانون المرور يضرب به عرض الحائط، لتعم الفوضى المرورية والضجيج والصخب، وبالذات في أوقات الذروة، لتبدأ هذه الفوضى المخجلة بالمناوشات والملاسنات، فيليها الاشتباك والمشاجرة في الشوارع العامة، ومن السائقين من يتجاوز على حقوق المشاة، ومنهم من يقوم بكل جراءة واستخفاف بقطع إشارة المرور بلونها الأحمر الملتهب غير مبال وآبه بخطورة وبشاعة ذلك، وفي المدارس غالبية الطلاب لا يحترمون معلميهم، وقد سجلت عدة حالات تم الاعتداء فيها بالضرب المبرح على المعلمين، كما طالت هذه الاعتداءات الأطباء والممرضين في المستشفيات، ومازال الموظفون في بعض الإدارات والمؤسسات لا يحترمون مواعيد العمل ولا ينجزون أعمالهم ويماطلون فيها، وقس على ذلك مايحدث في الملاعب الرياضية والمراكز التجارية وغيرها. وقد نمت هذه السلبيات في ذوات الأفراد منذ نشأتهم، بتقصير من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والتربوية والإعلامية، وينبغي أن يكون احترام القوانين والامتثال لها كثقافة اجتماعية سائدة، وجزء من منظومة الأخلاق العامة، فذلك التزام أخلاقي وطني قبل كونه إجراء نظامي، ويمكن الوصول لذلك برفع الوعي الاجتماعي تجاه هذه القوانين، وتعزيز المعرفة بها لضبط سلوك الأفراد والجماعات على حد سواء، وبتعظيم الدور النبيل للأسرة والمدرسة لتهذيب السلوكيات السلبية عند الشباب، ثم يليها الدور الإنساني الرائع والجميل للحوار وأدبياته وتفهم الآخر والإنصات له، وأخيراً إضافة مادة الثقافة القانونية للمناهج التعليمية والأكاديمية. د. محمد القريني