يواصل الاقتصاد السعودي مسيرته المظفرة، محققاً حزمة من الإنجازات النوعية، التي تثبت للجميع أن المملكة متى ما أرادت شيئاً، فلا يثنيها عنه مانع مهما كلفها الأمر من جهد ومال، وقبل أكثر من أربع سنوات، أرادت المملكة أن تُعيد بناء اقتصادها على أسس جديدة، وتوجهات مغايرة، فأعلنت عن رؤية 2030، وضمّنتها أهدافاً «استثنائية» لامست السحاب، لعل أبرزها الاعتماد على قطاعات اقتصادية مستدامة، ليس منها قطاع النفط. في هذه الأثناء، أُصيب العالم بالدهشة والفضول، وأراد أن يعرف كيف تستطيع المملكة أن تدير ظهرها لأموال النفط التي ظلت العمود الفقري لميزانية البلاد العامة لأكثر من سبعة عقود متواصلة، ولم تمر سوى سنوات قليلة، إلا وحققت الرؤية ما وعدت به وأكثر، عندما حافظت على مركز الاقتصاد السعودي، كأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط بلا منازع، وأحد أكبر الاقتصادات النامية في العالم. قد تكون الشهادة في حق رؤية 2030 وما تحققه من نجاحات مجروحة خاصة إذا جاءت من منظمات أو شخصيات سعودية، ولكن عندما تصدر الشهادة من جهة محايدة، مثل معهد الشؤون النقدية الدولية الياباني، فهذا خير دليل على نجاح الرؤية والجدوى منها، ويؤكد قدرتها على تحقيق التطلعات مهما علت. هذا المعهد الذي لا يعرف المجاملات، أصدر دراسة حديثة، ألمح فيها إلى أن الإصلاحات المالية والاقتصادية التي نفذتها حكومة المملكة في إطار الرؤية أنقذت اقتصاد البلاد من وضع صعب، خصوصاً مع تراجع أسعار النفط وتداعيات جائحة «كورونا»، وأشادت الدراسة التي جاءت بعنوان: «المالية السعودية تتحرك نحو عدم الاعتماد على النفط»، بخطوات المملكة نحو تحقيق زيادة في إيرادات الدولة غير النفطية، وتحديداً من قطاعي الصناعة والسياحة. ولن نذهب بعيداً، فبعد الإعلان عن الرؤية بفترة قليلة، ارتفعت إيرادات المملكة غير النفطية بنسبة 78.7 %، من 186 مليار ريال، لتصل إلى 332.4 مليار ريال، وبلغ متوسط الزيادة السنوية خلال هذه الفترة تحديدًا 22 %، وفي حال واصلت المملكة الحفاظ على الوتيرة نفسها، فستحقق هدفها المتمثل في زيادة إيراداتها غير النفطية بقيمة تريليون ريال بحلول 2030. وما يبعث على الاطمئنان حقاً، أن إيرادات المملكة غير النفطية، التي تركز على الإيرادات الضريبية وخصخصة القطاعات الحكومية، تشهد توسعًا بشكل مطرد، ما يزيد من التوقعات حول تحقيق إصلاحات اقتصادية كثيرة ومتنوعة، سوف تثمر في نهاية الأمر عن تنوع حقيقي في دخل البلاد، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، وهو هدف آخر وعدت به الرؤية، لا يقل أهمية عن هدف عدم الاعتماد على دخل النفط.