لا غرو أن وتيرة التعاملات الإلكترونية تسارعت بشكل ملحوظ بين كافة فئات المجتمع وفي مختلف المجالات، حتى صارت أمراً مقضياً لا يمكن بحال تجاهله، أو غض الطرف عنه، مما دعا المملكة إلى إصدار نظام المعاملات الإلكترونية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 18) وتاريخ 8 / 3 / 1428ه، ليجيب عن التساؤلات التالية: هل رسائل وسائل التواصل الإلكتروني يعتد بها قضائياً في المعاملات التجارية؟ هل لتلك الرسائل الإلكترونية كرسائل (الواتساب) والبريد الإلكتروني نفس حجية المعاملات الورقية؟ هل الرسائل الصادرة من حساب غير رسمي يُعتد بها أمام القضاء وخاصة في المعاملات التجارية التي تكون بملايين الريالات؟ هل المحادثات (السوالف) بإيجاب وقبول لأداء أعمال تجارية تعد عقوداً يحتكم إليها أمام القضاء؟ وكان النظام شديد الوضوح في الإجابة عن تلك التساؤلات فبموجب هذا النظام أضحت للمعاملات الإلكترونية الحجية الكاملة، فقد ساوى النظام بين المعاملات الإلكترونية والمعاملات الورقية في كل شيء، دون أي تفرقة بينهما، وإن كانت الرسالة مرسلة من حساب غير رسمي طالما ثبت أنه تحت تصرف صاحبه، حيث نصت المادة (5/1) من النظام على أنه "يكون للتعاملات والسجلات والتوقيعات الإلكترونية حجيتها الملزمة، ولا يجوز نفي صحتها أو قابليتها للتنفيذ، ولا منع تنفيذها بسبب أنها تمت -كلياً أو جزئياً- بشكل إلكتروني". كذلك نصت المادة (5/2) من النظام على أنه: "لا تفقد المعلومات التي تنتج عن التعامل الإلكتروني حجيتها أو قابليتها للتنفيذ، متى كان الاطلاع على تفاصيلها متاحاً ضمن منظومة البيانات الإلكترونية الخاصة بمنشئها، وأشير إلى كيفية الاطلاع عليها". وقد بينت المادة السابعة من النظام المساواة التامة بين الوثائق والسجلات والمعلومات المقدمة بشكل ورقي أو إلكتروني في الحجية، حيث نصت على أن: ".. إذا اشترط أي نظام في المملكة أن تكون الوثيقة أو السجل أو المعلومة المقدمة إلى شخص آخر مكتوبة، فإن تقديمها في شكل إلكتروني يفي بهذا..". ففي القضية التي صدر بها حكم ب رقم201/1 لعام 1433ه بتاريخ 2 /9 / 1433ه حيث اتفق الأطراف على طرق التواصل بينهم على سبيل الحصر ولم يكن من بينها وسائل التواصل الإلكتروني إلا أن حكم المحكمة كان واضحاً في إلزام الطرفين بالأخذ بالمراسلات الإلكترونية، والتي لم ينص عليها في الاتفاقية، حيث جاء بنص حكم المحكمة: وحيث إنه ولئن كانت الاتفاقية قد نصت على طريق إرسال الإشعارات بين طرفيها إلا أن ذلك لا يعني إهدار الطرق الأخرى التي تحقق إعلام المتعاقد بإرادة الطرف الآخر ما دام أقر الطرف الآخر بالعلم، إذ الغاية من التنصيص على طريق الإشعار المرسل بغيرها. فضلاً عن أن النص على الإرسال بالفاكس كسبيل لبعث الإشعار يقتضي اعتبار ما يرسل بالبريد الإلكتروني قياساً وفي قضية أخرى عام 1435ه أخذت المحكمة برسائل تواصل إلكتروني قرينة لإثبات فواتير تجاوزت قيمتها (500,000 ريال) لتعذر إيجاد الفواتير الرسمية، علماً بأنها صادرة من حساب غير رسمي. ومن هنا وجب التنبيه إلى خطورة المراسلات الإلكترونية في التعاملات التجارية خاصة أن النظام أجاز الإنابة في التعاملات الإلكترونية، فكل ما يرسل من هاتفك صار حجة عليك وإن لم تكن أنت الُمرسل، حيث نصت المادة الثانية عشرة من النظام، على أن "يعد السجل الإلكتروني صادراً من المنشئ إذا أرسله بنفسه، أو أرسله شخص آخر نيابة عنه، أو أرسل بواسطة منظومة آلية برمجها المنشئ لتعمل بشكل تلقائي بالنيابة عنه..." وهنا وقعت عليك أعباء إثبات عدم إرسالك لتلك الرسائل وهو أمر عسير ليس بالهين إثباته. فحتى (السوالف) بإيجاب وقبول لأداء أعمال تجارية عبر البريد الإلكتروني أو تويتر أو فيس بوك أو واتساب أو غيرها من وسائل التواصل الإلكتروني يعتد بها أمام القضاء، وقد نص النظام في المادة (10) على ذلك صراحة بقوله: "يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول في العقود بواسطة التعامل الإلكتروني، ويعد العقد صحيحاً وقابلاً للتنفيذ متى تم وفقاً لأحكام هذا النظام. لا يفقد العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم بوساطة سجل إلكتروني واحد أو أكثر".