كثيرون يعترفون أن للراحل محمد حمزة أثر كبير في نمو الدراما المحلية وانتشارها على المستوى العربي رغم أقدميتها، هكذا كانت التمثيليات التي تنتج في تلك الفترة، حيث تتأثر إيجابا حين يكون في دائرتها.. كل هذه السنين والتجاذبات والرحلات التي كوُنت شخصية أسطورية في زمن هواة الفن الذين حيدوا وأبعدوا في زمن كان صوت "الفن" مخفوُتا، ألتقيته في مناسبات عدة، كان من بينها مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون الذي كرمه على مشواره. في تلك اللحظة فرش محمد حمزة "1933 - 2020" بساطا من ذكرياته وأوجاعه وسنينه التي مرّت وتوقفت أمس، محظوظ حين يولد في المدينةالمنورة ونشأ في مكةالمكرمة، كانت الحياة عادية، يتنقل بين المدينتين بشكل يجعله يعتمد على قواه التي تكبر شيئا فشيئا، انتهى من الابتدائية ليتوظف ويساهم في زيادة دخل أسرته، هكذا هُم جيل آبائنا وأجدادنا، يعملون لكسب قوت يومهم، كانت حياتهم صعبة وقاهرة، مع ذلك واصل، لأن هوايته الأساسية العلم، هذا الذي رسخ فيه جانبا مهما في الكتابة، بعد ثلاثة وعشرين عاما من عمره (1965) التحق في الإذاعة لينقل في مخيلته آفاقا واسعة ويذهب لمشروع جديد في الكتابة. السبعينات المسمى عقد الثورة الإبداعية قدم سهرة تلفزيونية بعنوان (غيوم في الصيف) إخراج عبدالعزيز فارسي، بعد ذلك كتب سهرة تلفزيونية (وفاء الحب) إخراج محمد صديق - رحمه الله - ثم سباعيات عديدة، شارك في إخراجها كبار المخرجين العرب، استمر بين التلفزيون والإذاعة. لم يكن يعلم محمد حمزة - رحمه الله - أن سهرة (وفاء الحب) أخذت صدى واسعاً، بسبب أنه أظهر الفلكلور الشعبي في زواجات منطقة الحجاز، وشارك فيها الفنان الشهير"الأبلاتين" والشريف العرضاوي - رحمهم الله - كذلك شارك وللمرة الأولى ابنه وائل (12) سنة، هذا العمل كان محفزا ليثمر في كتابة السهرة التلفزيونية (عذاب الصمت) مُدة أربع ساعات في السبعينات الميلادية من القرن الماضي، هذه كانت (صرخة ندم) تحفز ما وراءها. يقول محمد حمزة - رحمه الله - لم أكن أعلم أنني سأقدم عملا مميزا في (1982)، لم أكن أعلم أن لدي موهبة الكتابة، حتى نبهني عدد من المخرجين، عندما لاحظوا أني أقوم بالتعديل في الأدوار وأشاروا علي بالاتجاه لكتابة المسلسلات، فوفقت في ذلك مسلسل (أصابع الزمن)، الذي شارك في مقدمته عبادي الجوهر.. واجهنا بعض المعوقات وكتبته بحرفيه لأن شخصيات المسلسل متسلسلة ومتجانسه مع بعض. كان حينها أقوى المسلسلات العربية رغم مواجهة الصعوبات التي من أبرزها التصوير الخارجي الذي عطلنا فيه لننتقل إلى عجمان. حقيقة كان أبو وائل خائفاً من سقوط العمل، لكنه نجح نجاحا منقطع النظير رغم أن التلفزيون السعودي أنتج منه (72) دقيقة وكاتب عليه (أنه عمل لا يصلح للعرض). عرض العمل في عدة دول عربية بعد اتفاقيات أجراها وزراء الإعلام للتبادل البرامج فيما بينهم، كان له أثر في أن يكتب (ليلة هروب). هذا العمل متعب، استمد من خبرته الكثير. في زاوية بساط ذكرياته، يقول إن السبب في جعل (ليلة هروب) متعب! لأنه جاء بعد (أصابع الزمن)، فكان خيارنا أن نستمر في جعل الدراما السعودية في مكانها، عندما جذبنا الجمهور العربي، ولا بد وأن نكون منافسين، لذا جعلته شاملاً لدول الخليج، لنبين أهمية الأمن بين مجلس التعاون. زاوية الذكريات كثيرة مع زملاء مهنته أو أعماله الفنية، منهم الفنان عبدالإله نوار - رحمه الله - والذي شاركه في عدد من الأعمال وفؤاد بخش، الذي رافقه في الوظيفة بالإذاعة وشاركه في (وفاء الحب) وفي (أصابع الزمن). في نهاية الأمر أحبط الفنان الكبير، تحسر على فورة شبابه ورغبة في صنع شيء، لم ينسَ الصعاب التي واجهها وتغلب عليها، المبادئ تتغير. يقول بلدي أولى بإنتاجي حينما عُرضت عليه جهات أخرى للتعاون معها.! فعندما أفكر في كتابة عمل أعود إلى نقطة الصفر نقطة الإحباط. هكذا ترحل بنا الذاكرة وتتشابك الخيوط المتفائلة وخيوط الانتكاسات، في محطته الأخيرة، كتب للتلفزيون عملا عن المعوقين وأسماه (دوي الصمت - 2004)، لكن طارق ريري المدير حينها أحبطه، فقال يوجد عمل شبيه.. من هنا انتهت قصة العملاق!.