خلال الأيام القليلة الماضية تحولت واشنطن إلى بركان ثائر، وذلك إثر تطور الأحداث لملفين في غاية الأهمية يرتبطان بقضية تواطؤ الرئيس ترمب مع القيادة الروسية لانتزاع النصر من هيلاري كلينتون خلال انتخابات 2016، وهي قضية أشغلت المشهد السياسي الأمريكي لمدة ثلاثة أعوام تقريباً، حتى إن "روبرت مولر" الذي كان مسؤولاً عن التحقيق، كان يعد أشهر شخصية داخل أمريكا في حينها! القضية كما يعلم الجميع انتهت ببراءة ترمب من التهم الفيدرالية الموجهة له؛ لكن ذلك التحقيق تسبب في خسائر موجعة لإدارة ترمب، كان من أهمها خسارة الأغلبية داخل مجلس النواب في عام 2018 !! الملف الأول مرتبط بمستشار ترمب السابق للأمن القومي (مايكل فلين) حيث تمت تبرئته من قبل وزارة العدل من تهمة الكذب على ضباط من مكتب التحقيقات الفيديرالي، وكذلك التواطؤ مع أطراف روسية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تحقيقات المدعي العام كشفت أدلة تشير إلى أن قيادات داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي زورت وفبركت الأدلة للإيقاع بالجينرال (مايكل فلين)، وفي مقدمتهم مدير مكتب التحقيقات السابق (جيمس كومي)، ومساعده (أندرو مكابي)، وكان من أبرز تلك الوثائق ورقة بخط اليد كتب فيها: "لجعله يكذب؛ حتى نتمكن من رفع دعوى قضائية عليه أو طرده من عمله"! والحديث هنا عن الجنرال (مايكل فلين)! هذه الوثيقة بحسب المصادر المتواترة تخص الرئيس السابق لمكافحة التجسس (بيل بريستال). مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يخطط ويسعى لإجبار مايكل فلين أن يعترف بخرق القانون عندما تحدث إلى السفير الروسي آنذاك (سيرجي كسيليا)، خلال الفترة الانتقالية الرئاسية، وهو بالفعل ما حدث، وتمت إدانة فلين على إثر ذلك، لكن بعد تدخل المدعي العام (وليم بار) وفتح تحقيق في تحقيق فلين تبينت حقائق مغايرة وفاجعة، وبعد نشر الوثائق للعامة، أصبح من الواضح أن اتصال (مايكل فلين) بالسفير الروسي في ذلك الوقت لم يكن غير قانوني! وفي هذا السياق تبين أنه تم تسريب معلومات إلى صحيفة واشنطن بوست في اليوم السابق لاستجواب فلين، تفيد بأن التنصت على المكالمات الهاتفية لفلين لم يظهر أي خطأ أو اختراق للقانون ! الملف الآخر والأهم يتعلق بالإفراج عن نصوص استجوابات عقدتها لجنة الاستخبارات بمجلس النواب في تحقيقاتها المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات عام 2016، النصوص توضح الفساد الذي كان يحيط بتحقيق (مولر) وأن تهمة تواطؤ ترامب مع القيادة الروسية لانتزاع الفوز من (هيلاري كيلينتون) ليس لها أساس من الصحة، وإنما مجرد مؤامرات شارك فيها مسؤولون من العيار الثقيل؛ كان من أهم تلك النصوص التي تمت إتاحتها للجمهور شهادة المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (جيمس كلابر)، الذي قال خلال إفادته أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، في تاريخ (17 يوليو 2107):"لم أر قط أي دليل على أن حملة ترمب أو أي شخص فيها كان يخطط أو يتآمر مع الروس للتدخل في انتخابات 2017 !". كذلك (أندروا مكيب) الوكيل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي قال:"كما قلت سابقاً، لا يمكن التحقق أو تأكيد المعلومات الموجودة بالملف"، وهو في هذا المقام يقصد الملف الذي شرع لتحقيق (مولر). بحسب النصوص المفرج عنها قالت مستشارة الأمن القومي السابقة في إدارة أوباما سوزان رايس: "إلى حد ما أتذكر ، لم يكن هناك أي شيء يدل على وجود تواطؤ"! وقالت سفيرة الولاياتالمتحدة السابقة لدى الأممالمتحدة، (سامانثا باور) في ذات السياق:"إنها ليس بحوزتها أي دليل على تآمر حملة ترامب مع روسيا". وقالت المدعية العامة (لوريتا لينش): "إنها لا تتذكر أنها أُبلغت بوجود أدلة دامغة على التواطؤ أو التآمر أو التنسيق"..! الجدير بالذكر أن "آدم شيف" رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي-وهو نائب ديمقراطي والمسؤول الاول عن تلك النصوص- كان قد خطط لإصدار نصوص جزئية فقط من تحقيقات اللجنة في التواطؤ الروسي وحملة ترمب، وليس جميعها ولكن بعد ذلك، عندما أعلن القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية (ريتشارد جرينيل) أنه على استعداد لإصدار جميع النصوص بالكامل - وهو أمر كان غرينيل يعتزم القيام به صباح يوم الجمعة التالي إذا لم يفعل شيف ذلك - لذلك غيّر شيف استراتيجيته ووافق على إصدارها بالكامل. هذه المحاولة من آدم شيف لإخفاء الوثائق ليس أمراً مستغرباً؛ لتناقضها مع ما صرح به في بداية 2018، أي بعد إفادات الشهود الآنف ذكرها؛ حيث قال:"أستطيع أن أقول بكل ثقة أن الأدلة التي بحوزتنا دامغة على وجود تواطؤ بين حملة ترمب والحكومة الروسية"!! بالرغم من خطورة الأحداث الأخيرة إلا أن الأخطر قادم؛ فبحسب تقارير أولية يبدو أن تهمة التواطؤ الروسي ضد ترمب كتبت خطوطها العريضة داخل المكتب البيضاوي وذلك في تاريخ 5 يناير 2017 أي قبل تنصيب ترمب وانتقال السلطة له؛ حيث تظهر التقارير أن (أوباما) في ذلك اليوم عقد اجتماعاً بحضور نائب الرئيس "جو بايدن" مع نائب المدعي العام (سالي ييتس) مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (جيمس كومي) ، مستشارة الأمن القومي (سوزن رايس)، مدير وكالة المخابرات المركزية (جون برينان) ومدير المخابرات الوطنية (جيمس كلابر) في هذا الاجتماع، خلال الاجتماع أطلعوا أوباما على الملف المتعلق بتواطؤ ترمب مع القيادة الروسية والذي أعد من قبل "كرستوفر ستيل" بتكليف من حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، بعدها أعطى أوباما التوجيه لكبار المسؤولين في الأمن القومي أن تبقي المعلومات المتعلقة بملف التواطؤ الروسي ضمن دائرة ضيقة بعيداً عن الإدارة الجديدة. وقد رصد بريد إلكتروني "لسوزن رايس"، حيث كان الخيط الذي كشف عن هذا الاجتماع، حيث ذكرت فيه: "قال الرئيس أوباما إنه يريد أن يتأكد من أننا -أثناء مشاركتنا مع الإدارة القادمة- نحرص على التأكد مما إذا كان هناك أي سبب يمنعنا من مشاركة المعلومات بالكامل فيما يتعلق بروسيا"!! بحسب هذه المعطيات أصبح لدى الحزب الجمهوري قناعة كاملة بأن (أوباما) هو عراب هذه المؤامرة، وهو من أطلق "رالي الفساد" داخل أجهزة الاستخبارات والأمن القومي قبل خروجه من البيت الأبيض؛ لذلك كان هاشتاق (أوباما غيت) يتصدر تويتر خلال الأيام القليلة الماضية. ترمب كذلك كانت لديه شكوك حول هذه الافتراضية في وقت مبكّر، وفي هذا السياق قال ترمب خلال مقابلة تلفزيونية مع مقدم البرامج جورج ستفانابلوس من قناة إي بي سي نيوز في أغسطس 2019: "أعتقد بأن أوباما كان على علم بذلك؛ لأن المتورطين بهذا الأمر يتقلدون مناصب رفيعة، لكن لن أؤكد على هذا التورط الآن!". فهل الآن قد حان؟! 1