المشهد التكنولوجي المبتكر في عمليات تحويل النفط الخام إلى الكيميائيات الذي تخوض غماره شركة أرامكو السعودية على عدة مسارات تقنية جديدة خلاقة يشكل أكبر تهديد لثورة الغاز الصخري الأميركي الذي تفاخر الولاياتالمتحدة باكتشافه بإنتاجه بأقل التكاليف وقدرته على منحها الريادة العالمية في إنتاج البتروكيميائيات وتحويل بوصلة الهيمنة الكيميائية من الشرق، وتحديداً من المملكة التي تتجاوز طاقتها الإنتاجية 100 مليون طن سنوياً بزعامة عملاق البتروكيميائيات في العالم شركة "سابك" بطاقة تفوق 70 مليون طن سنوياً وأرامكو بطاقة 33 مليون طن سنوياً، إلى الغرب حيث اكتشافات الغاز الصخري المتزايدة في أميركا والتي أرهبت قطاع البتروكيميائيات العالمي بقوة مزاياها التنافسية وأربكت خطط قادة الصناعة الذين اتجه بعضهم إما لإعادة هيكلة صناعاتهم وتحويرها لصناعات أخرى، أو إغلاق منشآتهم وإعلان اعترافهم بالهزيمة أمام تيارات اللقيم الصخري الكاسحة. إلا أن عملاقي النفط والكيميائيات في العالم شركتي "أرامكو" و"سابك" قد تيقنتا تماماً للمخاطر الجسيمة التي تعتري صناعاتهما بسبب ثروة الغاز الصخري الأميركي ولم يستسلما بل اتحد العملاقان في أكبر تحالف وأقوى تحدي لمواجهة ثورة الغاز الصخري بالثورة التكنولوجية النفطية الكيميائية السعودية المبتكرة التي تسعى لتبديل المشهد الإنتاجي التقليدي العالمي للكيميائيات إلى فضاء أرحب من الابتكار بعيداً عن الاعتماد الكلي على الغاز في صناعة الكيميائيات وإحلاله بالنفط الخام كلقيم مباشر لإنتاج سلسلة من المواد الكيميائية العطرية المتخصصة بدمغة سعودية مبتكرة يجري استكشافها في أكبر مجمع لتحويل النفط الخام لكيميائيات الجاري تشييده حالياً في مدينة ينبع الصناعية الذي رصدت ميزانيته 112,5 مليار ريال/30 مليار دولار وسيعمل على تحويل 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام إلى تسعة ملايين طن سنوياً من الكيميائيات ومشتقاتها والزيوت الأساسية ومن المتوقع أن يبدأ عملياته في 2025. واستهدفت الخطط الأولية قدرة أرامكو على تحويل 45 % من البرميل النفطي إلى كيميائيات، ثم ما لبث أن تطورت الاكتشافات التكنولوجية التي ابتكرتها أرامكو لتعظم طموحاتها لتصل لقدرة تحويل ما بين 60 إلى 70 % من البرميل النفطي إلى كيميائيات، في حين يبلغ متوسط إنتاج البتروكيميائيات حوالي 10-15 % من إنتاج المصافي العالمي، فيما تتفاوت النسبة في المجمعات المدمجة للتكرير والكيميائيات. وبهذا التوجه الاستراتيجي في ابتكارات لقائم الكيميائيات بعيداً عن الغاز الطبيعي تجني أرامكو فوائد جمة تعظم استخدامات النفط أيضاً بعيداً عن مجرد تكريره لإنتاج أهم مشتقات النفط كالبنزين والديزل، إلى جعل الطلب على النفط أمراً مستداماً بفضل الطلب القوي من الكيميائيات. إضافة إلى توجه أرامكو لاستخدامات اللقيم المختلط في مشروعاتها الجديدة والتي يمكن أن تمزج 35 % من الإيثان، و65 % من البروبان، والبيوتان، والنافثا ونجاحها في تطبيق هذا المفهوم في أضخم مشروعاتها الجديدة للكيميائيات بالجبيل الصناعية بالتحالف مع شركة "توتال" الفرنسية ببناء وحدة تكسير مختلطة اللقيم تحوي 50 % من الإيثان، و50 % من الغازات المنبعثة من مصفاتها في نفس الموقع لإنتاج الإيثيلين بطاقة 1.5 مليون طن سنوياً، وتشييد وحدات بتروكيميائية ذات قيمة مضافة عالية تشمل مركبات البوليمرات وبتكلفة 18,7 مليار ريال/ 5 مليارات دولار، ومن المقرر بدء تشغيله في 2024. وفي ظل سلسلة الابتكارات التكنولوجية التي توصلت لها شركة أرامكو في مشروع تحويل النفط الخام للكيميائيات قررت الشركة استخدام تقنياتها في مشروعاتها الدولية المخطط لها حيث تعكف على شراء حصة 20 % من شركة "ريلاينس" الهندية في أنشطتها لتحويل النفط إلى كيميائيات بتكلفة 56.2 مليار ريال/ 15 مليار دولار، في إحدى أكبر عمليات الاستثمار الأجنبي على الإطلاق في الهند، وفي إطار الصفقة ستورد الشركة الهندية أيضا 500 ألف برميل يومياً من النفط الخام على أساس طويل الأمد، في وقت تقدر أعمال تحويل النفط إلى كيميائيات في الشركة الهندية بنحو 75 مليار دولار.