كانت وما زالت تلوح لي تلك الفكرة: ماذا لو أن (الوقت) يسرع أو يتباطأ أو يتوقف من أجلي؟! بالطبع تبدو فكرة اعتباطية! هذا محال؛ فهو غير عابئ بأيامي وأحداثي مهما كانت، يجري كالنهر دون توقف باتجاه الأمام وفق وتيرة الكون العظمى، (تعاقب الشمس والقمر)، أو هو «أشبه ما يكون بقطرات الماء؛ فهي تتساقط من بين أصابعنا، دون أن نقوى على استبقائها، أو امتلاكها أو القبض عليها بجميع أيدينا». وعندها يستحيل علينا إرجاع الوقت وعودته مرة أخرى، ولكن حيلتنا الوحيدة؛ أن نستشعر بعمق وقعه في أيامنا، ونعمل فيه بكل ما نستطيع إليه سبيلًا؛ فإن أثره عائد علينا لا محالة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). فمن عظيم نعم الله تعالى وهباته الجليلة، أن يُدرك المرء الحصيف قيمة وقته وفراغه؛ فيراه عزيزًا عليه، يقيم فيه بروح مقبلة، متقدة، خير ما يريد ويجتبي. وقد ذكر الوزير يحيى بن هُبيرة عن قيمة الوقت ونفاسته: والوقت أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظهِ ** وأراهُ أسهَلَ ما عليكَ يضيعُ إنه لمن السهل جدًا أن تستلقي ووقتك يتبدد وينساب منك، يجثم عليك سلطان التسويف والكسل، والإحباط والسأم، أيامك تبدو باهته، ومتشابهة، تشعر بأن العالم ضدك، وأنه يشن معاركه الضارية عليك وحدك. وبفعلتك هذه؛ سحقت ذاتك وألقيت بها في مجاهل القفار البعيدة، تائهًا لا تدرك من حياتك أي قيمة! ماذا لو أن الوقت يباع ويشترى؟ هل ستكون مفرطًا بأن تعرضه للبيع؟ تبدو فكرة يشاطرها شيء من الرعب! لأنك حينما تعرض وقتك للبيع؛ فأنت تمنح المشتري أيضًا بعض حياتك. ولقد تحسر العلامة الفقيه جمال الدين القاسمي مرة «وهو واقف أمام مقهى امتلأ بأناس فارغين يزجون الوقت في اللهو والتسلية: (آه كم تمنيت أن يكون الوقت مما يباع لأشتري من هؤلاء جمعيًا أوقاتهم!)». وعليه؛ فإن الوقت الذي يسري هو وطيد علاقة بعمرك؛ فإن ذهبت ثانية من الزمن، ذهبت معه ثانية من بقائك على هذه الأرض، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقصَ فيه أجلي، ولم يَزد فيه عملي). فوقتك «من دمك؛ فانظر أين تريقه» امنحه شيئًا من التنظيم، والالتزام.. أعطِ لروحك وقتها، وكذلك عقلك، وبدنك، أحباءك، ووقتًا لأنسك، وخلواتك وما أنت كائن عليه الآن؛ هو لا محالة نتاج أيامك السالفة.