كمن يلف الحبل حول عنقه، وضع النظام الإيراني نفسه في موقف لا يحسد عليه، نتيجة تمسكه بدعم الإرهاب وتمويل الميليشيات المسلحة حول العالم على حساب الشعب الإيراني المكلوم الساخط على نظام ولاية الفقيه، والذي خرج في انتفاضة شعبية مستمرة منذ نهاية العام 2017م وحتى اليوم، في ظل تردي الوضع الاقتصادي يوماً تلو الآخر المترتب على الحزمة الأخيرة من العقوبات الأميركية المفروضة على هذا النظام، ما يضع القيادة الإيرانية أمام مفترق طرق في الأيام القادمة إما أن تغير من سلوكياتها العدوانية أو حدوث كارثة اقتصادية مقبلة لا محالة. وتؤكد الولاياتالمتحدة أن العقوبات الأخيرة ضد إيران ستستمر إلى حين خضوعها، وقبولها باتفاق جديد يناسب واشنطن وحلفاءها، ويقطع طريق طهران نهائياً نحو صنع أسلحة نووية، ويرى محللون أن إيران لن تستطيع مقاومة استراتيجية أميركا وحلفائها التي تستهدفها، وستضطر للاستسلام والخضوع في نهاية المطاف. ورغم تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، بأن بلاده تخوض حرباً استخباراتية كاملة مع الولاياتالمتحدة الأميركية عبارة عن مزيج من الحرب النفسية والعمليات الإلكترونية، والتحركات العسكرية، والدبلوماسية، والترهيب والتخويف، إلا أن توازنات القوى العسكرية على الأرض بين الولاياتالمتحدةوإيران لا تجعل من لجوء النظام الإيراني إلى التصعيد خياراً واقعياً، في ظل الفوارق الهائلة في قدرات التسلح التقليدية بين القوات الجوية والبحرية والقدرات الصاروخية للجيشين الأميركي والإيراني، وبالتالي يبقى التصعيد من الجانب الإيراني مجرد تصريحات رنانة لا يلتفت إليها، فإيران تدرك أنها ستكون الخاسر الأكبر من أي حرب تندلع. ولعل المتابع للمواقف الإيرانية على مدار أربعة عقود من عمر نظام الملالي، يدرك جيداً أن هذا النظام يعتمد دائماً على إطلاق مثل هذه التصريحات، فالجميع يذكر التهديدات الإيرانية عشرات المرات بإغلاق مضيق هرمز ولم تصدق في تهديداتها ولا مرة واحدة وهذا دليل على عدم قدرتها على تنفيذ أي منها وهشاشة النظام الذي يستخدم لغة التخويف لمحاولة ترويع خصومه. المعطيات الحالية تضع أمام إيران خيارات محدودة وضئيلة للنفاذ بجلدها، وهي الخضوع للمطالب الأميركية والدولية العادلة فيما يخص برنامجها النووي أولاً، ووقف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وتمويل الإرهاب. وبالتالي فإن خضوع النظام الإيراني للضغوط الأميركية ليس أكثر من مسألة وقت، وستكون إيران مضطرة للانحناء للعاصفة لأنها لن تستطيع المواجهة العسكرية أمام خصوم يفوقونها بمراحل، وكذلك لن تستطيع مواجهة الانهيار الاقتصادي الداخلي بفعل العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تاريخياً والتصعيد السياسي والإعلامي للاستهلاك الشعبوي في الداخل. ومن جانبه، أشار مهدي عقبائي عضو مجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته المفاجئة للعراق وسط تصاعد في التوتر بين الولاياتالمتحدةوإيران، كان يحمل في جعبته وثائق وتقارير مؤكدة عن استعدادات للقوات المرتزقة التابعة للنظام الإيراني في العراق لتنفيذ هجمة على الأهداف الأميركية في العراق وأخبر المسؤولين العراقيين بأن أي هجمة سيتم الرد عليها بشدة وقسوة، وعلى ما يبدو أن النظام الإيراني قد تسلم الرسالة وهناك تقارير تظهر أن النظام أوعز لمرتزقته في العراق خشية تنفيذهم هجمات ضد أهداف أميركية. وأوضح عقبائي أن النظام الإيراني يقف أمام طريقين لا ثالث لهما؛ أولهما هو أنه يجب عليه التصرف كحكومة عادية تقبل جميع القوانين والمقررات الدولية بما في ذلك التعايش السلمي والاحترام المتبادل مع الدول المجاورة والتخلي عن الاستمرار في البرنامج النووي وتطوير البرنامج الصاروخي وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. لأن التخلي عن أحد تلك الإجراءات والأعمال كما تحدث مؤخراً خامنئي في حديثه غير ممكن البتة بالنسبة للنظام لأن سيمشي في طريق نفي وجوده وبالتالي سقوطه. أما الطريق الآخر هو أن يستمر في سياساته المدمرة ويتقبل عواقبها. وما يمكن رؤيته في المشهد الحالي هو أن النظام اختار الطريق الثاني، لذلك فإن إجراءات النظام وإقدامه على تنفيذ عمليات تخريبية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا يجب أن يتم اعتبارها أعمالاً جنونية بل النظام قام بإجراء حساباته وهو لا يملك طريقاً آخر. ولا يمكن لأحد أن يتلقى من هذه الأعمال أنها رسالة قوة للنظام بل هو يشبه شخصاً وقع في مستنقع وهو في حال الغرق فيه وكلما سعى للخروج منه غرق أكثر. هذه هي حقيقة النظام التي أشار إليها خبراء النظام أنفسهم والخبراء الأجانب أيضاً وكانوا يحذرون النظام من مغبة العواقب المميتة لإقداماته. ويرى عقبائي أن نظام الملالي لا يملك قواعد للعبة غير الذي يقوم به وذلك بناء على طبيعته، وهذه العزلة الدولية الكبيرة للنظام هي نتيجة تخلي الولاياتالمتحدة عن سياسات الاسترضاء، الأمر الذي طالبت به المقاومة الإيرانية عدة مرات خلال العقود الماضية وهو إنهاء سياسات الاستمالة المتبعة من قبل الغرب. والآن وفي ظل اتباع سياسات حاسمة في وجه النظام فإن النظام ليس مجبراً فقط على دفع تكلفة وثمن إجراءاته وأعماله الحالية بل سيكون مجبراً أيضاً على دفع ثمن سياساته الرامية لنشر الحروب وتصدير الإرهاب التي كان ومازال يتبعها في الماضي.