يشكل المعارض التركي البارز كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، حجر عثرة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يعد بإمكانه كما في السابق أن يخفي نزعته العثمانية، بعدما سمعنا مراراً خلال السنوات الماضية خطاباً قادماً من صوب تركيا، يشبه إلى حد كبير الخطاب العثماني القديم الذي دفن تحت ركام الدولة العثمانية التي انهارت تحت وطأة مدافع الحلفاء. أوغلو دائم توجيه الانتقادات والاتهامات لأردوغان وحزبه الحاكم، ويدعوه صراحة للتنحي، يقول أوغلو: "لا أنا ولا الدائرة القريبة مني أسسنا شركة في جزيرة مان أو مالطا للتهرب من الضرائب في تركيا. الآن أريد أن أسأل أردوغان: أي نوع من الروابط التجارية الذي يربط أقاربك مع هذه الشركة في جزيرة مان؟". بدأ الرجل السبعيني حياته السياسية بعد أن اختاره حزب الشّعب الجمهوري في عام 2002 ليكون مرشحه في الانتخابات العامة، ورغم أنه لم ينجح حينها، إلا أنه شارك في البرلمان في العام 2007 عن الدائرة الثانية بإسطنبول، ثم ترشح في انتخابات المحليات عن بلدية إسطنبول الكبرى. تولّى رئاسة حزب الشعب الجمهوري، بعد فضيحة سياسية هزت تركيا في مارس من العام 2010، على خلفية تسريب فيديو خاص بالرئيس السابق للحزب دينيز بايكال، وشريكته النائبة عن حزبه في العاصمة أنقرة، نسرين بايتوك، حينها كانت صورة الحزب مشوّهة، وهو الحامي والمدافع عن المبادئ الأتاتوركية التي دشنها المؤسس الأوّل عند تأسيسه عام 1923. يقول أوغلو إن "تركيا دولة علمانية ولا تنتهج مواقفها بناءً على أُسس دينيّة أو طائفية أبدًا، لكن أردوغان وحزبه يلجآن إلى تصرفات معاكسة تمامًا. يُمارسان السياسة في باحات الجوامع، ومنها يشنان حملاتهما الدعائية، ويستغلان المشاعر الدينية والعقائدية للمواطنين، لأغراضهما الشخصية. فيلجأ إلى استغلال الدين في ممارسة السياسة، وخصوصًا على الصعيد العالمي إلى مستوى الصّفر. ولا شك في أن تركيا ستدرك هذه الحقيقة في الأيام المقبلة". ورغم أن أوغلو معارض شرس، إلا أن له موقفاً مشهودًا بعد أحداث انقلاب 15 يوليو 2016 ثمنه له الشعب، ودان خروج قطاعات من الجيش، ضد مؤسسات الدولة. حين أصدر القضاء التركيّ حكمًا بسجن الصحافي أنيس بربر 25 عاماً لتسريبه معلومات سرية إلى صحيفة جمهورييت في العام 2015، دعا أوغلو إلى مسيرة شعبية استمرت 25 يومًا باتجاه إسطنبول، وسار مع آلاف من مرافقيه في اليوم الأخير من حي كارتال في الشطر الآسيوي من إسطنبول إلى سجن "مالتبه"، وهناك ألقى خطابًا قال فيه إن "لقد سرنا لمسافة 450 كيلومتراً من أنقرة إلى إسطنبول من أجل العدالة ومن أجل حقوق كل من ظلم". في 2016، انتقد أوغلو، الرئيس أردوغان، لتقييمه السلبي لاتفاقية لوزان التي رسمت بموجبها حدود تركيا الحديثة، وقال أوغلو: "نحب بلادنا وتاريخنا ونعتز به. نحن ندافع عن أنقرة، وهم يدافعون عن إسطنبول (عاصمة ورمز الإمبراطورية العثمانية).. ندافع عن الجمهورية، وهم يدافعون عن الخلافة". وأضاف قائلاً: "لا يحق لأحد خيانة تاريخه.. إذا كنت لا تعلم التاريخ، فاستدع المؤرخين وتحدث معهم. من يجلس على كرسي الرئاسة، لا يحق له أن يخون بلاده". في 2017، انتقد أوغلو صمت أردوغان عن رجل الأعمال رضا زراب الذي يحاكم في نيويورك، والذي اعترف بتورط الرئيس التركي في غسيل أموال لصالح إيران. في نوفمبر 2017، فجر أوغلو ملفات فساد الرئيس التركي وأسرته، أمام الرأي العام، ونشر أوغلو وثائق تتعلق بملايين الدولارات التي أرسلتها أسرة إردوغان وأقاربه خارج تركيا، وخلال اجتماع نواب الحزب، أظهر أوغلو إيصالات تتعلق بملايين الدولارات التي أرسلها نجل أردوغان وشقيقه وصهره ومدير قلمه الخاص السابق في عام 2011 إلى شركة في دولة مالطا. وقال زعيم المعارضة التركية إنه يدعو أردوغان "لاتخاذ الإجراءات اللازمة إن كان بالفعل رجلاً فاضلاً شريفًا". في يونيو 2018م، أعلن أوغلو أنه لن يهنئ أردوغان على فوزه بالانتخابات واصفاً إياه بالديكتاتور، وقال: "لا يمكن أن نهنئ رجلاً لا يدافع عن الديموقراطية. سأهنئه على ماذا؟". في أواخر العام 2018، هدد "أردوغان" "كمال أوغلو" بالسجن لدعوته العمال للنزول للشارع للمطالبة بحقوقهم، ووجه أردوغان عبارات شديدة اللهجة لأوغلو قائلاً: "لقد تمكنت ليلة الانقلاب من الهرب من بين الدبابات التي نزلت الشوارع واللجوء لمقر البلدية التي يترأسها حزبك في باقر كوي، لكن هذه المرة لا يمكنك الهرب، فلتعلم هذا جيداً". وفي يناير 2019، وجّه أوغلو، سؤالاً لأردوغان عن قرار خصخصة مصنع صفائح الدبابات الموجود في سكاريا، مؤكداً أن مصنع الدبابات المصفحة، الذي أسس عام 1975، تمّ بيعه إلى شركة قطرية. وفي مارس الماضي، قال أوغلو إن أردوغان يخدم الإرهاب من خلال عرض مشاهد المذبحة التي شهدتها نيوزيلندا خلال لقاءاته الجماهيرية، ووجه حديثه لأردوغان قائلاً: "إن كنت تتلذذ بهذه المشاهد فلتعرضها لأسرتك داخل القصر على مدار الساعة". وفي 21 من أبريل الجاري، تعرض زعيم حزب المعارضة لهجوم واعتداء على يد أنصار أردوغان خلال جنازة عسكرية في العاصمة أنقرة، وقال الحزب في بيان له إن عدة أشخاص هاجموا زعيم الحزب وهم يطلقون صيحات عالية. وفي أول أبريل وبعد هزيمة أردوغان المدوية، تعهد أوغلو ببذل أقصى جهد لخدمة الناخبين الأتراك في المدن التي فاز بها حزبه. واليوم يطرح حزب الشعب نفسه بديلاً واعياً لتيار الإسلام السياسي الذي يدير تركيا.