في هذه السّلسلة التي نتناول فيها ما يتعلّق بالمجموعات العائليّة وسبل تطويرها، لا يحسن تجاهل التّعليق على الأحداث الأخيرة في شركة الخضري؛ بحكم أنّها شركة عائليّة نجح أبناء المؤسّس (عبدالله عبدالمحسن الخضري رحمه الله) في طرحها للاكتتاب العام وما زالوا يحتفظون بغالبيّة مقاعد مجلس إدارتها بما في ذلك منصب رئيس مجلس الإدارة والرّئيس التّنفيذيّ. لم يكن أكثر المحلّلين تشاؤما يتوقّع بلوغ خسائر الشّركة (198.5 % من رأس المال) وفقا لإعلانها المنشور في تداول في 13 فبراير 2019م؛ تبع ذلك بخمسة أيّام (في تاريخ 18 فبراير تحديدا) إعلان قبول استقالة العضوين المستقلّين من مجلس الإدارة. أمضى العضوان المستقيلان -بحسب إعلانات الشّركة في تداول- في لجنة المراجعة قرابة سنة وتسعة أشهر (من تاريخ 11 مايو 2017 بحسب إعلانات الشّركة) وأمضى أحد العضوين المدّة نفسها في مجلس الإدارة والعضو الآخر انضمّ للمجلس قبل سنة وشهر (تحديدا بتاريخ 9 يناير 2018م). ذكر العضوان أنّ سبب الاستقالة يعود إلى تأخر الإدارة التنفيذية في إبلاغ مجلس الإدارة ولجنة المراجعة بالمعلومات الضرورية المتعلقة بوضع الخسائر المتراكمة. وقد تضمّن ردّ الرّئيس التّنفيذيّ –وفق الإعلان نفسه- تناول أمور أوّلها أنّه لم يكن بوسع الإدارة التّنفيذيّة إبلاغ مجلس الإدارة بأرقم محدّدة تخصّ الخسائر المتراكمة إلّا بعد ثبوت ما يؤكّدها من واقع إجراءات المراجعة، والجانب الثّاني يشير إلى المراجع الخارجي وأنّ لجنة المراجعة على تواصل مع المكتب الخارجي وهي المنوط بها نظاماً التحقق من سلامة التقارير المالية ولها حق الاطلاع على سجلات الشركة وأن تطلب أي بيان من الإدارة التنفيذية، والجانب الأخير أنّ الإدارة التنفيذية ترفع تقارير دورية مكتوبة لمجلس الإدارة تتضمن أرقام ومعلومات حول موضوعات مالية وغير مالية محددة من قبل مجلس الإدارة، في الجوانب الثّلاثة لردود الرّئيس التّنفيّذي كأنّه يعيد الكرة إلى ملعب لجنة المراجعة نفسها التي يشغل العضوان المستقيلان عضويّتها وأنّ الإدارة التّنفيذيّة لم تخف عن لجنة المراجعة ولا عن المجلس شيئا يتعلّق بالخسائر المتراكمة. ليس موضوع المقال ترجيح كفّة طرف على آخر بقدر ما نهدف لاستخلاص الدّرس من الحدث لتجنّب الوقوع فيه في حالات مستقبليّة وهذا ما نرجوا أن يحمل عليه النّقاش. تشير ردود الرّئيس التّنفيذيّ إلى الإحالة إلى منظومة الحوكمة التّي ترتّب العلاقة بين ذوي العلاقة ومن ضمنهم مجلس الإدارة ولجنة المراجعة والمراجع الخارجي بالإضافة إلى الإدارة التّنفيّذيّة نفسها، ولكن السؤال للرئيس التنفيذي وللمجلس الموقّر ولنا جميعا أيضا: لنفترض جدلا أنّ ذوي العلاقة تفهّموا سبب بلوغ الخسائر إلى 198.5 % من رأس المال؛ لماذا أخفقت منظومة الحوكمة بأكملها في التنبؤ بحدوث ذلك قبل وقت كاف؟ فقد أوصى مجلس الإدارة بالتّوصية بتخفيض رأس المال بنسبة 36 % وبعد أقلّ من شهر تعلن الشّركة عن بلوغ الخسائر المتراكمة نسبة 198 % من رأس المال!، أيّ قرابة خمسة أضعاف ما نصّت عليه توصية المجلس السابقة، فإن كانت الشركة تعلم عن بلوغ الخسارة نسبة 198 % في 20 يناير ولم تعلن فهذه مصيبة؛ وإن كانت لا تعلم أصلا وارتفعت نسبة الخسارة بهذا التسارع المذهل خلال هذه المدّة القصيرة مع غفلة الجميع فالمصيبة أعظم. مع كامل التقدير لمسبّبات الاستقالة التي ذكرها العضوان المستقيلان ولرد الرئيس التنفيذي الموقر لا يمكن قبول تفاجؤ الجميع بهذا الانحراف الضخم بين الإعلانين الذين يفصل بينهما أقل من شهر. من المؤّكد أنّه يوجد في شركة الخضري بحكم أنها شركة مساهمة مدرجة لائحة معتمدة للحوكمة من قبل الجمعية؛ وهذا ما يقودنا إلى نتيجة مهمّة أن العبرة ليست في وجود لوائح الحوكمة واكتمال إجراءاتها المكتوبة واعتمادها من قبل الجمعيّة فقط، الأهمّ أن تتحوّل الحوكمة المنصوص عليها في الإجراءات واللّوائح المشار إليها إلى ممارسات فعليّة يتدرّب عليها ويلتزم بها جميع منسوبي المنشأة والأطراف الداخليين والخارجيين المتعاملين معها، حين تكون روح الحوكمة حاضرة في جميع الممارسات وعلى كافة مستويات التواصل في المنشأة فإن ذلك كفيل بإذن الله في تقليل فرص حصول مثل هذه الانحرافات الكبيرة أو على الأقل في التنبؤ باحتماليّة وقوعها قبل وقت كافي ممّا يساعد في اتّخاذ ما يلزم لمنع حدوث الأخطاء أو تخفيف أضرارها.