في إطار جولته الآسيوية التي بدأت بزيارة لباكستان، وصل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى العاصمة الهنديةنيودلهي أمس الثلاثاء، يرافقه وفدٌ رفيع المستوى ضم دبلوماسيين ووزراء ورجال أعمال بارزين ونخبة من الإعلاميين. وتزينت شوارع الهند لاستقبال سمو ولي العهد، وانتشرت اللافتات الترحيبية باللغتين العربية والهندية في الميادين الرئيسية، وتشهد الزيارة توقيع عديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين في القطاعات المشتركة كافة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين. كان ولي العهد قد التقى رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين نوفمبر الماضي، وخلال اللقاء ناقشا سبل المزيد من التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية والزراعية والطاقة والثقافة والتقنية. وتعد المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند، وتبلغ قيمة التجارة الثنائية بين البلدين 28 مليار دولار، فيما توفر السعودية 20 % من النفط الخام للهند، ومؤخراً دخلت «أرامكو السعودية»، بالشراكة مع «أدنوك» الإماراتية، في مشروع مشترك بقيمة 44 مليار دولار لتطوير مصفاة راتناغيري للتكرير والبتروكيميائيات «آر آر بي سي إل» التي تُعد مجمعاً عملاقاً ومتكاملاً لأنشطة التكرير والبتروكيميائيات بطاقة إنتاجية تبلغ 1.2 مليون برميل في اليوم، بمقاطعة راتناغيري الهندية. وتشهد العلاقات بين البلدين تقارباً متنامياً في كافة المجالات، منذ توحيد المملكة على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود -رحمه الله- في العام 1932م، حيث أثنى رئيس الوزراء الهندي الأول جواهر لال نهرو حينها على جلالته وأشاد بشجاعته وحنكته السياسية في توحيد الجزيرة العربية. وفي منتصف العام 1955م، قام صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، الذي كان يتولى أيضاً منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية بالمملكة آنذاك، بزيارة نيودلهي ليضع أسس العلاقات الثنائية في فترة ما بعد الحرب العالمية، وبعد فترة قصيرة قام جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بزيارة تاريخية إلى الهند استغرقت 17 يوماً مثلت أول زيارة على مستوى الزعماء، وتوالت بعدها الزيارات المتبادلة حيث زار رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو المملكة في العام 1956م وألقى خطاباً أمام تجمع جماهيري في أحد ملاعب كرة القدم في جدة، واستمرت العلاقات الثنائية إلى أن شهدت تحولاً كبيراً عزز من متانتها وقوتها بعد الزيارة التاريخية للملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في يناير من العام 2006م، وكان «إعلان دلهي» الذي تم توقيعه أثناء الزيارة بمثابة عهد جديد بين الدولتين ازدهرت خلاله حركة التجارة والاستثمارات، حيث يعمل في المملكة أكثر من مليوني مواطن هندي، فضلاً عن التبادل الثقافي الذي يعود إلى أن الهند لديها ثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم. وبحلول عام 2010م، وفي زيارة لرئيس وزراء الهند الدكتور مانموهان سنج إلى المملكة، وقع البلدين «اتفاق الرياض» الذي أعاد التأكيد على أهمية التنفيذ الكامل لإعلان دلهي واضعين نصب أعينهم التطور الكبير الذي تشهده علاقات الدولتين والإمكانات التي تتوفر لنموها، وقرر الارتقاء بالعلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية التي تشمل المجالات الأمنية والاقتصادية والدفاعية والسياسية. ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن زيارة سمو ولي العهد إلى الهند ستمهد الطريق لمزيد من جهود التعاون وستكون «نقطة تحول كبرى» في الروابط بين الدولتين، وستعطي الفرصة لرفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الثنائية إلى مستوى أعلى، مؤكدين أن الهند دون أدنى شك تنظر للعلاقات مع المملكة باعتبارها تمثل أهمية قصوى بالنسبة لها وتحرص دائماً على مواصلة تعزيز الشراكة بين البلدين.