من جديد، تتفاقم جملة من الإضرابات والاحتجاجات بتونس، حيث جدد الاتحاد التونسي للشغل دعوته السبت الماضي، إلى إضراب وطني جديد يستمر لمدة يومين الشهر المقبل؛ لإحداث ما وصفه بالضغط على الحكومة لرفع أجور مئات الآلاف من الموظفين، في وقت ترث خلاله الحكومة الحالية تركة مثقلة بالتحديات لحكومات متعاقبة عجزت عن الوصول إلى إصلاحات عميقة للقطاع العام، بسبب الفوضى التي ضربت البلاد منذ 2011. وكان الاتحاد قد صعد من موقفه ضد الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد الخميس الماضي، احتجاجا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها، بشن إضراب عام بالبلاد؛ أدى إلى إحداث شلل تام للمؤسسات الاقتصادية، وامتد للقطاع العام وحركة الطيران والنقل الجوي والبري وخطوط القطارات، وتوقفت على إثره الخدمات المختلفة، كما خرج الآلاف من التونسيين في شوارع العاصمة تونس وعدة مدن أخرى، لتأييد مطالب اتحاد الشغل، وسط غضب عم صفوف المسافرين. مطالب الاتحاد ويطالب اتحاد الشغل التونسي برفع أجور أكثر من 670 ألف موظف، ووقف ما وصفه ب"الخيارات الخاطئة" للحكومة في اتباع وصفات تنموية خارجية فاشلة تؤدي إلى تخريب النسيج الاقتصادي للبلاد، وتوسع دائرة الفقر والبطالة والأمية، وتفاقم تدهور القدرة الشرائية لدى عموم المواطنين التونسيين - وفقا لبيان الاتحاد -. ويرى المتضامنون التونسيون مع تحركات الاتحاد أن الأخير يدافع عن حقوق الطبقة العمالية، ويدفع الحكومة إلى الانصراف عن أسلوب التجاهل لمشكلات قطاع عريض من الشعب التونسي، والتوجه نحو البحث عن حلول اقتصادية واجتماعية للخروج من أزمات البلاد. موقف الحكومة أما الحكومة التونسية فحمّلت الاتحاد نتائج الإضراب والخسائر التي سببها على الاقتصاد التونسي الوطني، كما ترى أن ما يطالب به الاتحاد والنقابات العمالية لا يتناسب مع الإمكانيات الاقتصادية للبلاد في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور والمتراجع خلال السنوات الثماني الماضية. ورصدت الحكومة التونسية جزءا من ميزانية 2019، لتلبية المطالبات النقابية عبر بعض الزيادات المالية للموظفين، ووعدت بمزيد من الإجراءات الداعمة لهم، ولكن في صورة إعفاءات جبائية على الموظفين كبديل لتقديم الأموال فيما يخص ما يجب على الموظفين دفعه للحكومة سنويا، لكن القيادة النقابية ترفض المقترح الحكومي، معتبرة أنه يؤدي إلى اختلالات فيما يخص المتقاعدين وصندوق التقاعد. وتخشى الحكومة التونسية أن تمتد حركة الإضرابات من القطاع العام الذي عجزت عن التصدي لإضرابه رغم مخالفته للقوانين التونسية، إلى القطاع الخاص؛ وبالتالي وقوع مزيد من الخسائر الضخمة للاقتصاد الوطني التونسي، قد يضطرها إلى مزيد من الدين الخارجي، في وقت تبلغ خلاله نسب الأجور نحو 15.5 بالمئة من الناتج المحلي التونسي. ويرى مؤيدون للحكومة التونسية أن الاتحاد التونسي للشغل يسعى من وراء رعايته لحركة الإضرابات إلى تسيس مطالب التونسيين بالعمل على إنهاك السلطة الحاكمة في البلاد من أجل تقديم نفسه كبديل سياسي قبل الانتخابات التونسية المقبلة، وبالتالي اعتلاء المشهد السياسي بالبلاد ثم التحول إلى حزب سياسي منافس، والدخول في تحالفات سياسية في ظل حالة الخلاف بين الحزب الحاكم وحزب النهضة ذي التوجه الإسلامي. بدائل اقتصادية ويرى سياسيون واقتصاديون تونسيون ضرورة أن تبحث الحكومة عن بدائل لزيادة الدخل القومي للبلاد، ومنها إجراءات أكثر قوة ومحاسبية ضد الفاسدين والمتهربين من الضرائب الذين يسيطرون على الاقتصاد الوطني، وحجمهم يبلغ 54 بالمئة من جملته، في وقت تبلغ خلاله قيمة التهرب الضريبي نحو 7 مليارات دينار، إضافة إلى مقترحات بضرورة الإنفاق على الفلاحة كمصدر أساسي لقوت العديد من التونسيين، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض تكلفة المعيشة، والإنفاق على القطاعات الأخرى. وتتفتح بارقة أمل أخرى لدعم الاقتصاد التونسي، بدعوات لإعادة التوسع في إنتاج الفوسفات بكميات أعلى، بعد تعطله خلال السنوات الماضية، بسبب الإضرابات المتكررة منذ العام 2011؛ ما أدى إلى هبوط إنتاجه بنسبة 20 بالمئة. تونس