جرت العادة والعرف أن يضطلع الرجال بمهن أعمال مكافحة الحرائق على مر الزمن، في حين أثبت عصر الثورة الصناعية التي تعيشها المملكة بانفتاح كبير أن المرأة تتمتع بمهارات فائقة في علوم الحرائق وممارستها لتحتدم المنافسة الحتمية بين الجنسين في تحدٍ مثيرٍ على وظائف الإطفاء في معاقل النفط والغاز والطاقة ومصافي التكرير والصناعات البتروكيميائية التي طالما احتكرت على هيمنة الرجال في كافة مجتمعات العالم. إلا أن شركة "أرامكو السعودية" قد نجحت بدعم تنافسية المرأة على وظائف الإطفاء بعد أن أثبتت مهارتها في الدورات التدريبية الخاصة لاكتشاف واختبار مهارات الإطفائيات واللاتي نجحن بدرجة امتياز في معترك مواجهة أكبر الحرائق الفرضية التي نفذتها "أرامكو" مؤخراً حيث اتضح في أعقاب السيطرة على الحريق واحتوائه. وحين هم الإطفائيون بخلع أجهزة الهواء المضغوط ومعاطف الحريق، تتبين ملامح مَن اقتحموا عاصفة الدخان الكثيفة وألسنة اللهب المتصاعدة امرأتين من قسم خدمات الهندسة والتدريب في إدارة الوقاية من الحريق في شركة "أرامكو" وهما المهندسة عبير الجبر، المتخرجة في جامعة الشارقة، تخصص الهندسة الصناعية والإدارة الهندسية، والمهندسة جازية الدوسري، المتخرجة في جامعة ميسوري في الولاياتالمتحدة الأميركية، تخصص الهندسة الكيميائية، وهما أول سعوديتين تدربتا بغرض الانضمام إلى فريق الإطفاء بأرامكو السعودية، حيث استوفتا معايير المؤهلات المهنية الصارمة للجمعية الوطنية الأميركية للحماية من الحرائق، وفق أسبوعية "أرامكو". ويتطور نهج العمل بصورة متسارعة في إدارة الوقاية من الحريق فيما يتعلق بالإطفائيين والمهندسين الذين يخدمون أحياء "أرامكو" السكنية والمرافق الصناعية التابعة لها والتحول الجذري للمرأة من دور المتفرج المرعوب أمام هول الحرائق إلى العمل في الخطوط الأمامية الحساسة ضمن نهج أكثر شمول لتحديد الحلول وتحليلها وهندستها، الأمر الذي سيعيد تشكيل منهجية الفكر نحو مكافحة الحرائق، ليضرب التنوع بجذوره في عمل الإطفائيين الذي كان قد اقتصر على العنصر الرجالي. ويقول مدير إدارة الوقاية من الحريق أ. غسان أبوالفرج أن هؤلاء المهندسين الشباب، بمن فيهم زميلاتنا، يتحدون أنفسهم ليصبحوا الأفضل وبقيامهم بذلك، فهم يستنهضون مجتمع خدمات الإطفاء بأكمله ويرتقون بمعايير المنافسة بعيدًا عن الرضوخ للوضع الراهن، مضيفاً إلى السعادة تغمره لكونه شاهداً على هذه اللحظة التاريخية، حيث تنضم لأرامكو أول دفعة إطفائيات سعوديات معتمدات في المملكة. من جانبها قالت المهندسة جازية الدوسري بعد مشاركتها في البرنامج التدريبي، إن والدها كان مصدر إلهامها، حيث عمل كرئيس إطفاء في تسعينيات القرن المنصرم، وكان شغوفًا بعمله، وقد غُرس هذا الشغف بداخلها في سن مبكرة. فالانضمام لإدارة الوقاية من الحريق كان بمثابة حلم تحوّل إلى واقع. كما أن والدها يغمره الفخر لأن الجيل الثاني من أسرته يواصل إرثه. وتضيف الدوسري أنه على الرغم من أن عملية الحصول على شهادة إطفائي معتمد استلزمت أداء أنشطة بدنية صعبة بشكل يومي، إلا أن التجربة كانت مجزية. فيما تقول من جانبها المهندسة عبير الجبر لقد فتحت التجربة عينيَّ على المتطلبات التي يجب أن يستوفيها أي إطفائي، فبمجرد أن مشيت لمسافة ميلٍ واحد في أحذية الإطفائيين، أصبح لدي تصور أفضل لما يمر به الإطفائيون يوميًا. وتضيف بقولها أنا فخورة بكوني إطفائية وبكوني جزءًا من شركة تمنح فرصًا متساوية وأكثر ما يشعرني بالفخر هو كوني جزءًا من إدارة آمنت بنا وقدّمت لنا الدعم أثناء خضوعنا للتدريب. ولا يقتصر نهج التغيير على إشراك النساء في القوى العاملة، حيث تشارك المهندسات في إدارة الوقاية من الحريق مشاركة كاملةً في عديد من المهمات الشاقة التي تشتمل على مكافحة الحريق عملياً. جازية الدوسري تمسك خرطوم المياه بإحكام وتقود فريقاً من مهندسي برنامج التطوير المهني