أحرزت المملكة العربية السعودية مؤخرًا تقدمًا ملحوظًا في مجلس حقوق الإنسان حيث تم اعتماد تقرير السعودية أممياً حول التقدم في مجال الإنسان وإنشاء مجلس الأسرة وتشكيل لجنة تعنى بالطفل ضمن لجانه وإصدار قانون حماية الطفل، وتم إصدار نظام حماية الطفل في فبراير للعام 2014 وكان من أجمل القرارات المبهجة لجميع العاملين في مجال الطفولة. والطفل وهو كل فرد من أفراد المجتمع لا يتجاوز عمره 18 سنة، وبناءً على منظمة الصحة العالمية العنف ضد الأطفال وإيذاء الطفل هو كافة أشكال الإساءة الجسدية والجنسية والعاطفية، إضافة إلى إهمال الطفل أو استغلاله من قبل أحد والديه أو الشخص الذي يقوم برعايته، والتي قد تؤثر على صحة الطفل أو نموه أو كرامته. ومن المبادرات والتقدمات الملحوظة في المملكة العربية السعودية هو وجود سجل وطني لحالات إيذاء وإهمال الأطفال وتتولى اللجنة الوطنية للتعامل مع حالات إيذاء وإهمال القطاع الصحي السعودي اعتماد الإحصائيات سنوياً وإصدارها، وقد بلغت عدد الحالات 180 حالة في العام 2011 ميلادي ووصلت إلى 692 حالة في العام 2016 ميلادي سجلت في المنشآت الصحية، وسبب ازدياد عدد الحالات المسجلة هو وجود أكثر من 50 فريق حماية على مختلف مناطق المملكة، ومن أبرز أنماط وأنواع الإيذاء حسب الحالات المسجلة في السجل الوطني هو الإهمال حيث شكل 50 % من الحالات، يليه الإيذاء الجسدي ثم الإيذاء الجنسي من ثم الإيذاء العاطفي والنفسي، وهذه النسب وتسلسلها مثله مثل معظم دول العالم حيث يشكل الإهمال النوع الأكثر انتشارًا. بعد صدور النظام والوعي الحاصل في المجتمع بقضية العنف والإيذاء ضد الأطفال أصبح الحديث في الوقت الراهن متقبلاً من المجتمع ويأخذ طريق النقاش والاستفسار فيجب على العاملين نشر وزيادة الوعي لكل أنواع الإيذاء من خلال تعريفها وذكر أنواعها والمؤشرات المؤدية إليها من ثم طرق الوقاية والعلاج. كما ذكرنا فإن أكثر أنواع العنف الظاهرة خاصة للقطاع الصحي هي الإهمال، وإذا نظرنا إلى وسائل التوعية بالسنوات الأخيرة كلها تصب اهتمامها على زيادة الوعي لنوعين من الإيذاء الجنسي والجسدي أما الإهمال فما زالت التوعية ضعيفة فيه خاصة من قبل القطاعات الصحية، الإهمال هو حرمان الطفل من الاحتياجات الأساسية كالغذاء والملابس واللقاحات والرعاية الصحية والتعليم والسلامة، من قبل أحد والديه أو الشخص الذي يقوم على رعايته. للإهمال عدة أنواع ومنها الإهمال العاطفي وهو عدم توفير حاجات الطفل العاطفية اللازمة له كالتقدير، والحب، وتعريضه لمواقف عاطفية سلبية، كمشاهدة المشاجرات الأسرية، بينما الإهمال الطبي هو عدم توفير الرعاية الطبية اللازمة للطفل، أما الإهمال الجسدي فهو عدم توفير الملبس أو المسكن للطفل، في حين إن الإهمال التعليمي التربوي هو عدم توفير التعليم، ورفض تسجيلهم في المدارس، وأخيرًا الإهمال الفكري وهو عدم تشجيع الأطفال، وتقليل قدراتهم، بالإضافة إلى سلب ممتلكاتهم الفكرية، وإهمال تطورهم الثقافي، وأكثر أنواع الإهمال التي يتعرض لها الأطفال هي الإهمال الطبي والإهمال الغذائي ومن ثم التعليم وأقلها هجر الأطفال الرضع، وقد يتعرض الطفل المعتدى عليه لأكثر من نوع من أنواع الإهمال، والفئة العمرية الأكثر عرضة ما بين سن العام والخمسة أعوام. احتمالية أن يكون هؤلاء الأطفال بصحة جيدة قبل تعرضهم للإهمال الذي يؤذي صحتهم تصل إلى 50 %، والغالبية العظمى من الحالات تتعرض لهذا النوع من أنواع الإيذاء حسب مقدمي الرعاية سجل الوالدين الغالبية العظمى من الحالات تصل إلى 80 %. النقطة المهمة في هذه القضية، أن التعامل المتعارف عليه مع قضايا العنف والإساءة للأطفال والبالغين يكون في الأساس ضمن إطار وآلية واحدة في مختلف دول العالم، لكن مع الخبرة والعمل في هذه الحالات يجب دائمًا مراعاة اختلاف الحضارات والثقافات المجتمعية وتفهم المجتمعات المختلفة وهو ركن أساسي يجب على كل العاملين بهذه القضايا الإنسانية التقيد به. وجود اختلاف حضاري يستلزم علينا إيجاد طرق أخرى تلائم ثقافة وأعراف هذا المجتمع عند القضاء على تلك الظاهرة وليس بالضرورة تطبيق نموذج موحد، خاصة عند التعامل مع مجتمعاتنا العربية فالأفضل إظهار التعاطف والتعاون معهم عن طريق غير مباشر وتقبل حساسيتهم لهذا الموضوع وأن لا يتم التشكيك بقدرتهم كأب وأم أو عدم حبهم للطفل، والسؤال الأول الذي يخطر في بال الوالدين دومًا هو هل أنا أم أو أب سيئ؟ خاصة إذا تم تبليغ الحالة وتدخل فريق الحماية، يجب تذكير الأهل أن أغلب الحالات تكون إما اشتباهاً بالإهمال أو وجود مؤشرات، وواجبنا ككوادر صحية هو التدخل المبكر ودعم الأسرة وزيادة الوعي عند الوالدين وليس التحقيق معهم أو لومهم فهم ونحن فريق واحد ونعلم جيدًا أنهم أكثر الناس حرصًا على أطفالهم ولكن ما حدث من إهمال كان في الأغلب غير مقصود وكمجتمع واحد يجب علينا دعمهم وحماية الطفل، والإهمال كأي نوع من أنواع الإيذاء هناك عوامل عدة تعرض الأطفال لهذه المشكلة منها عوامل فردية وأسرية ومجتمعية. بعض عوامل الخطورة في حالات الإيذاء للطفل للعام 2015 هي طلاق الوالدين ويشكل 20 % من الحالات، ثم حجم الأسرة الكبير أكثر من 6 أفراد، إصابة الطفل بإعاقة أو مرض مزمن، إصابة أحد الوالدين بإعاقة أو مرض مزمن، صغر سن الوالدين، البطالة وتعاطي المخدرات. من الناحية الطبية، وهو جانب مهم لنا كعاملين في القطاع الصحي، ما يحدث لهؤلاء الأطفال من مخاطر من الإهمال الطبي خاصة الأطفال المصابين بأمراض مزمنة يؤدي إلى أضرار خطيرة وإعاقات دائمة أو الموت في بعض الحالات. ختامًا، إن من أهم عوامل منع هذا النوع من الإيذاء هو تثقيف وتوعية المجتمع والأفراد بحقوقهم وخطورة الموضوع فهو عامل مهم للحد من هذه الظاهرة، ونتمنى جميعًا لأطفالنا طفولة آمنة وسليمة وصحية. * قسم طب الأطفال د. فادية سلمان الخطابي *