تعد السلطة القضائية إحدى أهم ركائز الدولة كونها الجهة المنوط بها ترسيخ العدالة وتحقيقها، وفي المملكة العربية السعودية تولي القيادة الرشيدة اهتماماً خاصاً بمرفق القضاء والقائمين عليه، وما نشهده من تسارع غير مسبوق في تطوير آلية التقاضي وتوظيف التقنية الإلكترونية الحديثة ووسائل التواصل والإفادة منها للتسهيل على المتقاضين، وتسريع مراحل التقاضي علامة بارزة يشهد بها كل منصف لجهود وزارة العدل وديوان المظالم والقيادات الوطنية المخلصة التي تقف خلف هذه الإنجازات المتلاحقة للمرافق العدلية.. وهذه الخطوات التطويرية الموفقة أسهمت بشكل ملموس بتسريع إنجاز العمل القضائي في الجهات العدلية، إلا أن حجر الزاوية في مرفق القضاء وهو «القاضي» يحتاج أن يطاله مزيد من العناية والتطوير، فمرفق القضاء الحيوي يعاني من تسرب طاقات مميزة من منتسبيه للانخراط في العمل الأكاديمي بالجامعات، أو الالتحاق بمهنة المحاماة بحثاً عن بيئة عمل من وجهة نظرهم يرون أنها أنسب وأكثر مرونة وارتياحاً علاوة على المردود المادي والمعنوي، ومن بينهم قضاة مميزون يحملون شهادات علمية عليا، ولديهم خبرات وممارسات قضائية متراكمة مع رسوخ في العلم، وفي حوار مع بعضهم تبين أن من بين أهم دوافع السعي للتخلي عن سلك القضاء عدم وجود نظام أو لائحة مستقلة تتعلق بشؤون القضاة الوظيفية، تحفظ حقوقهم أسوة بموظفي الدولة في القطاعات الحكومية الأخرى، فعلى سبيل المثال: الابتعاث الداخلي والخارجي لدراسة تخصص قانوني أو لدارسة اللغة الإنجليزية أو دورة تدريبية متخصصة في الأنظمة واللوائح والإجراءات التنظيمية أو حتى للاطلاع على أحدث النظم القضائية في العالم من حيث الترتيب والتنظيم والإجراءات ونحو ما سبق - حسب علمي - لا يوجد لدى الإدارة العدلية سواء في المجلس الأعلى للقضاء أو وزارة العدل حتى الآن، والسبب لأن القضاة لا يشملهم نظام الموظفين في بقية الوزارات والهيئات الحكومية، وليس لديهم نظام خاص بهم حتى يتم العمل وفقه. وفي ظني أن تبني المجلس الأعلى للقضاء إصدار لائحة مستقلة للقضاة - وفقاً للمادة السادسة من نظام القضاء - على غرار اللائحة المنظمة لشؤون منتسبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم تحفظ حقوقهم الوظيفية فيما يتعلق بالابتعاث الداخلي والخارجي والتدريب والسكن والعلاج واعتماد الإجازة القضائية ونحو ذلك سيكون حافزاً ومشجعاً لتطوير وتحسين بيئة العمل القضائي، وكذا سعي وزارة العدل لاستقطاب خريجي الكليات الشرعية وأقسام الأنظمة والقانون للعمل كأعوان للقضاة يساندونهم في القيام بالمهام الجسام التي يضطلعون بها في مكاتبهم، فوظيفة القاضي لا تقل بأي حال عن وظيفة عضو هيئة التدريس في الجامعات بمختلف التخصصات، وهذا المشروع - في ظني - سيسهم في الحد من ظاهرة تسرب القضاة التي خسارتها لا تقتصر على وزارة العدل وديوان المظالم - فحسب - بل على المتقاضين والمستفيدين من الخدمات القضائية التي تقدمها المحاكم الشرعية وديوان المظالم، وسيكون لبنة من لبنات البناء التكاملي الذي تشهده المرافق العدلية في ظل رعاية وعناية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان رائد رؤية التطوير الحضارية في مملكتنا الغالية. Your browser does not support the video tag.