يقول رئيس جمهورية الولاياتالمتحدة الأميركية جورج واشنطن في كلمته الوداعية إلى شعوب أميركا، بمناسبة انتهاء رئاسته: «لا تتدخلوا في الشؤون الأوروبية، وحاذروا من أن تنساقوا إلى الاشتراك في المنازعات بين دول أوروبا. ابقوا بعيدين، ولا يكن لكم مع دول أوروبا غير علائق تجارية دون ارتباطات سياسية»، كما تضمن تصريح مونرو للعام 1823 على ثلاثة مبادئ رئيسة: عدم شرعية الاستعمار وعدم التدخل وعدم الانعزال. ومايهمنا هنا هو مبدأ عدم التدخل. إن من أهم المبادئ والواجبات التي تقع على عاتق الدول هو واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا المبدأ نصت عليه الفقرة 7 من المادة الثانية في ميثاق الأمم على الآتي: «ليس في هذا الميثاق ما يسوغ «للأمم المتحدة» أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق»، وقد جاء في قرار لمجمع القانون الدولي عام 1954 إن: «المسائل التي تعد من صميم السلطان الداخلي هي تلك الأنشطة التي تمارسها الدولة، والتي يعد فيها اختصاص الدولة غير مقيد بالقانون الدولي. ويتوقف مدى، أو نطاق هذه المسائل على القانون الدولي، ويختلف تبعاً لتطوره». وقد نص قرار الجمعية العامة رقم (/2131/(A/RES 31 وعام 1965 الخاص بإعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها، ليس لأي دولة حق التدخل بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية، أو الخارجية لأي دولة. كما استنكرت كل تدخل مسلح، أو غير مسلح أو تهديد يستهدف شخصية الدول، أو عناصرها السياسية، والثقافية، والاقتصادية، كما أشارت الفقرة أيضاً: إلى عدم جواز استخدام أي تدبير لإكراه دولة أخرى على النزول عن ممارسة حقوقها السيادية. ومقتضى هذا المبدأ عدم التعرض لأي شأن داخلي من شؤون الدول، وقد جاء في شرح الفقيه شارل روسو الفرنسي لهذا المبدأ على أنه «هو عبارة عن قيام دولة بتصرف، بمقتضاه تتدخل الدولة في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى، بغرض إجبارها على تنفيذ أو عدم تنفيذ عمل ما» ويضيف أن الدولة المتدخلة تتصرف في هذه الحالة كسلطة وتحاول فرض إرادتها بممارسة الضغط بمختلف الأشكال، كالضغط السياسي والاقتصادي والنفسي والعسكري. إن ما قامت به دولة كندا صاحبة العلم ذو الورقة الحمراء وتصريحاتها الأخيرة يعد من قبيل التدخل في شؤون المملكة، وهو تدخل سياسي علني، وفضلاً عن انتهاك مبدأ عدم التدخل إلا أن هذا التصرف يخرق مبادئ أخرى كمبدأ احترام سيادة الدول، فالسيادة تعد أحد أركان قيام أي دولة وركيزة أساسية لفرض السلطة داخل الإقليم، وعلى الصعيد الدولي يجب احترامها وعدم التعرض لها بأي شكل من الأشكال فحتى القانون الدولي يقف عاجزاً عن الكثير من القرارات أمام حصانة السيادة. إن سيادة المملكة سيادة تامة مستقلة، لاتقبل التدخل أو الانتقاص منها بأي وسيلة كانت وعبر أي قناة رسمية أو غير رسمية، وتشمل هذه السيادة على حق المملكة في إصدار القوانين والجزاءات على مخالفيها وحرية استغلال مواردها الطبيعية، وتعد مظهراً من مظاهر الاستقلال التي تجعل الدولة تتمتع بسلطاتها الكاملة باستثناء ما نظم بوجب القانون الدولي والذي لا يعتبر انتقاصاً من سيادتها أو استقلالها. وحق الاستقلال هو أيضا من الحقوق المقررة في ميثاق الأممالمتحدة والذي يعطي الدولة الحق في الدفاع عن إقليمها وحرية اختيار نظامها السياسي والاقتصادي وتحصين إقليمها عسكرياً وسياسياً بكافة الطرق. إن تصريحات كندا تحرك المسؤولية الدولية تجاهها وتوتر العلاقات الدولية، وتؤدي إلى حراك دولي قوي نظرا لثقل المملكة ومكانتها في المجتمع الدولي. بدأ الأمر بتصريح كندي سياسي وواجهه رد فعل دبلوماسي من قبل المملكة والأمر تصاعد ليشمل الجانب الاقتصادي، فالمملكة تظل حكيمة قوية في كل مواقفها ورادعة لكل من تسول له نفسه المساس بها أو بسيادتها واستقلالها. Your browser does not support the video tag.