تعتبر السيادة أحد أهم أركان الدولة، ولا يمكن تصور وجود الدولة بدون السيادة المستقلة التي تجعل الحكومة تتمتع بسلطة على كافة شؤونها الداخلية والخارجية، والتعاطي بكل ندية مع الدول الأخرى بما في ذلك اتخاذ القرار داخل الوطن وخارجه؛ دونما أي تدخل من الغير في ذلك. ولذا، قرر ميثاق الأممالمتحدة مبدأ المساواة في السيادة بأن تكون كل دولة متساوية من حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى الأعضاء، ومقتضى ذلك؛ عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأي دولة أجنبية، والمساواة منهجية دولية وفق مواثيق الأممالمتحدة والمعاهدات الدولية التي تنظم كيفية بناء العلاقات الخارجية لكل دولة في علاقاتها مع أفراد المجتمع الدولي على أساس من الاستقلال. وفي المقابل؛ تمارس الدولة سلطتها الكاملة والمستقلة من خلال بسط سلطانها على إقليمها بكامل حدوده الجغرافية البرية والبحرية وما علاهما، وعلى أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين كافة، وتطبق أنظمتها عليهم جميعاً. وتوفر لأفراد المجتمع حماية من الممارسات التعسفيّة للسلطة إن وجدت، وتعتز المملكة باستقلالية نظامها القضائي وترفض أي تشكيك فيه، لأنه يستند على الشريعة الإسلامية ويتسم بالعدالة في التعامل مع كافة المواطنين والمقيمين على أراضي المملكة، ويتمتّع المواطن والمقيم على حد سواء بالحريّة المدنيّة بشكلٍ قانوني، ويتمكّنا بموجبها من استخدامها أمام القضاء، وهذه تعتبر من أهم الضمانات القانونية التي يكفلها الشرع المطهر والأنظمة المرعية في المملكة. ومن هذا المنطلق، فإن التصريحات الكندية في الشأن السعودي توغر جرحاً عميقاً، وتعتبر تدخلٍ سافرٍ غير محمودة العواقب في علاقاتها الخارجية ليس مع المملكة فحسب بل وقد يمتد إلى دول أخرى، فأفراد المجتمع الدولي يأنفون من التدخلات الخارجية التي تمس سيادتهم الوطنية بأي شكل من الإشكال أو الصور. وعليه فإن المملكة أعلنت استدعاء سفير خادم الحرمين الشريفين في كندا للتشاور، وتعتبر السفير الكندي في المملكة شخصًا غير مرغوب فيه، وعليه مغادرة المملكة خلال ال24ساعة المقبلة، كما تعلن تجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين المملكة وكندا، مع احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى. وبكل تأكيد ستلقي هذه الأزمة السياسية بظلالها على مستوى الاقتصاد الكندي وأضرارها كبيرة جداً ومؤثرة سلباً؛ حيث أن تعليق الاستثمارات السعودية المعروفة بنوعيتها وضخامتها يعتبر بمثابة هدر موارد الشعب الكندي وثرواته التي يستمدها من العلاقة الاقتصادية مع الدول ومن ضمنها المملكة. ولعلي أذكر في هذه السانحة بتصريح مهم جدا أدلت به وزيرة التجارة الكندية ساندرا بوباتيلو أبان زيارتها للرياض في أكتوبر عام 2008م، حيث قالت: «لدى كندا صناعات دقيقة في مجالات التقنية الحيوية، وتصنيع أجزاء من الطائرات، وبعض المعدات المستخدمة في الصناعات النفطية، إضافة إلى قطاع تقنية المعلومات، وكلها قطاعات مهمة وحيوية، ومن الصعب أن يصيبها ركود اقتصادي، وإذا ما حدث انخفاض في النشاط في مجال معين، فإنه حتماً سيكون على حساب انتعاش مجال آخر وكلها في كندا». وحيث كشفت بيانات الهيئة العامة للإحصاء أن حجم التبادل التجاري بين السعودية وكندا خلال ال10 سنوات الأخيرة بلغ نحو 134 مليار ريال (35.7 مليار دولار) حيث استقبلت السوق السعودية سلعاً كندية بقيمة تقدر بنحو 60 مليار ريال، ويأتي إعلان المملكة تجميد الصفقات والمشروعات الاقتصادية الجديدة مع كندا بمثابة انتكاسة في العلاقات الاقتصادية وكان الدولار الكندي أول المتأثرين بقطع العلاقات، حيث شهد الدولار الكندي تراجعاً مقابل الدولار الأميركي، وهذا يجعل النخب الكندية المعنية تتحرك إيجابا نحو التصرفات غير المسؤولة للحكومة الكندية وذلك إدراكاً منها بأهمية العلاقة السياسية مع المملكة والآثار الاقتصادية المترتبة عليها. *متخصص في قانون الاستثمار الأجنبي Your browser does not support the video tag.