على غرار مرض الطاعون القاتل والمُدمر للحضارات، يتربص الطاعون السياسي الفارسي بالعالم العربي محاولا الفتك بدوله، فظهرت أعراضه بوضوح في اليمن وسورية والعراقولبنان، لكن تنبه المملكة ودول الرباعي العربي لخطره المستقبلي قد حدّ من انتشاره قبل تخطيه للحدود اليمنية، مما جعل نظام الملالي الإيراني يحاول نقل العدوى من الشرق إلى دول المغرب العربي، وهذا ما تصدت له المغرب بقرار قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بغلق سفارتها في طهران، وطرد السفير الإيراني في الرباط، بسبب دعم طهران لجبهة البوليساريو التي تسعى إلى بتر الصحراء عن الأراضي المغربية. ونجحت المغرب خلال الفترة الماضية في تشخيص خطر الطاعون الفارسي، وتحديد مسبباته التي تستمد قدرتها على الفتك بدعم المليشيات المسلحة، والنفخ في أطماع التشكيلات والهويات الصغيرة، وصناعة المجازر المتنقلة، حيث ذكرت مصادر دبلوماسية مغربية أن إيران توجهت عن طريق ذراعها اللبناني ميليشيا حزب الله، لتدريب وتسليح جبهة البوليساريو، وتقويتها في المجالات العسكرية والاستخباراتية؛ لإدخالها في مواجهات مسلحة ضد الدولة المغربية، ومن ثم إشعال المغرب العربي بين الجزائر والمغرب والبوليساريو. وكشف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عن تورط إيران وحزبها اللبناني في استهداف أمن المغرب ومصالحه العليا على مدار عامين، منذ تشكيل لجنة لدعم البوليساريو برعاية حزب الله في لبنان عام 2016، مؤكدا وجود أدلة دامغة على إمداد إيران للجبهة بالأسلحة، ومساعدتها على تشكيل فرق كوماندوز عسكرية، للتخطيط لشن عمليات عدائية ضد المغرب. تاريخ من التوتر والصحراء الغربية منطقة تبلغ مساحتها 266 ألف كلم مربع، وتعد من أقدم النزاعات في إفريقيا، فهي تعود إلى عام 1975، عند انسحاب الاستعمار الإسباني عن المغرب، حيث تشكلت جبهة البوليساريو بعد ذلك بعام واحد، ودخلت في نزاع مسلح مع الدولة المغربية، دام حتى صدور قرار أممي بوقف إطلاق النار في عام 1991م، ومنذ ذلك الحين تقترح الحكومة المغربية منح الصحراء حكما ذاتيا مع بقائها ضمن السيادة المغربية، لكن جبهة البوليساريو تطالب بالانفصال التام، لتشكيل دولة مستقلة في الإقليم المعروف بتوفر الثروة السمكية، مع وجود معلومات عن تواجد أماكن نفطية على أراضيه. ولطالما كانت قضية الصحراء الغربية محل التوتر في العلاقات بين الرباطوطهران، بسبب محاولة الأخيرة استغلال القضية لابتزاز المغرب سياسيا، ففي أكتوبر من عام 1979 توترت العلاقة بين البلدين بسبب استقبال الرباط لشاه إيران، حيث قرر الجانبان استدعاء سفيريهما وتخفيض العلاقات إلى مستوى قائم بالأعمال، أما في يناير 1981 قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بسبب إقدام الأخيرة على فتح مكتب ل"جبهة تحرير بوليساريو" في العاصمة الإيرانيةطهران، وفي مايو 1991 عادت العلاقات بين البلدين بعد سحب طهران اعترافها بالبوليساريو، ثم تدهورت مرة أخرى في مارس 2009، بسبب تورط البعثة الإيرانية بالمغرب في العبث بالثوابت الدينية والهوية المغربية الراسخة وتهديد وحدة مذهب البلاد، وفي عام 2014 قبل المغرب عودة العلاقات، وتم تعيين سفير للمغرب بطهران، حتى عادت المغرب في مايو 2018 لتقطع العلاقات من جديد بسبب الدعم والتسليح الإيراني للبوليساريو. الزيت على النار وأدى نجاح التصدي المغربي للطاعون الفارسي على مدار العقود الثلاثة الماضية، إلى منع تفشيه أكثر فأكثر بمنطقة المغرب العربي الإفريقي، كما أنه حوّل الدفة إلى جهة الجزائر، حيث حذرت أوساط سياسية وأكاديمية جزائرية بارزة مرارا وتكرارا من الخطر الإيراني على الجزائر، ففي دراسة للدكتور عبدالحفيظ غرس الله المتخصص في سوسيولجيا الإسلام بجامعة وهران، حذر من دور خطير للسفارة الإيرانيةبالجزائر، مؤكدا أنها تعد مركزا لنشر المذهبية والأيديولوجيات الإيرانية التي تهدد الأمن العربي، وتحاول تصدير النموذج الإيراني للداخل الجزائري، ومن ثم إلى دول القارة السمراء، بزعم أنه يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، وينشر العدل خلافا لواقع ديكتاتورية الملالي. وأشارت الدراسة إلى أن موظفين كبار بالسفارة الإيرانيةبالجزائر ينظمون رحلات دراسية لجزائريين إلى المؤسسات الدينية في إيران تقوم على الولاء التام للمرشد الإيراني، كما يعملون على نقل أتباعهم من العراق وسورية ولبنان للعمل على نشر الأفكار الإيرانية في الجزائر، وسط غياب تام لإستراتيجية المواجهة. ويرى مراقبون أن إيران لديها مخطط يقضي بصب الزيت على النار في العلاقات المغربية الجزائرية عن طريق الابتزاز السياسي باستخدام ملف الصحراء الغربية، من أجل إشعال الصراع بين الدولتين ودعم إنشاء مليشيات إيرانية مسلحة تعرض خدماتها على الدولتين للإضرار بكل دولة على حدة، لإضعافهما عسكريا واقتصاديا وتسهيل اختراقهما. أزمة تطول من ناحيته أكد الخبير في الشؤون الإيرانية، محمد محسن أبو النور، أن الأطماع الإيرانية في المغرب تحمل عناوين سياسية واستراتيجية واضحة، أبرزها: جنوح النظام الإيراني لدعم جبهة البوليساريو بغية استخدامها أداة عقابية ضد الرباط، بعد موقفها الداعم للتحالف العربي ضد ميليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن، ومحاصرة المغرب بقضايا داخلية لشغله عن مواجهة التمدد الإيراني في الإقليم، مع محاولات نشر المذهبية والأفكار الإيرانية بالأوساط المغربية من أجل خلق جماعات ضغط تحقق الأهداف الإيرانية في شمال وغرب أفريقيا، إضافة إلى محاولة استغلال الموقع الجيوستراتيجي للمغرب على المحيط الأطلنطي، لتحويله إلى منصة إيرانية لتجارة السلاح والمخدرات. وأضاف أبو النور أن التقارير الواردة من الداخل المغربي تشير إلى ان القيادة المغربية فطنت إلى التصدي للخطر الايراني بعدما تمكن من استقطاب أعداد من المغاربة للعمل وفق أجندة إيرانية، وتم الكشف عن وجود 40 عميلا إيرانيا يعملون من "حى سباتة" بمدينة البيضاء المغربية. فيما يرى الباحث في الشؤون الإيرانية أحمد فاروق، أن قرار المغرب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران يأتي بعدما ضاقت الرباط ذرعا بالإصرار الإيراني على محاولة اختراق نسيجها الاجتماعي، والتدخل في شؤونها الداخلية، والإضرار بمصالحها السياسية والاقتصادية، موضحا أن ذلك ظهر جليا في المرات العديد للتوتر بين البلدين منذ الثورة الخمينية بمحاولات نظام الولي الفقيه العبث بأمن المغرب مرات عديدة. وأظهر فاروق أن النظام الإيراني قد طوّر خلال الفترة الماضية، من آليات تدخله في المغرب، بداية من استخدام القوى الناعمة لنشر المشروعات الإيرانية في البلاد، مرورا بتجنيد العملاء ومحاولة ضرب الوحدة الوطنية المغربية، ثم استخدام مليشيا حزب الله اللبنانية في دعم جبهة البوليساريو، وإمدادها بالسلاح وصواريخ سام 9 سام 11 وستريلا. وأضاف أن القطيعة الدبلوماسية بين المغرب وإيران ستستمر لفترة طويلة في ظل البراهين المغربية على تورط طهران في دعم البوليساريو وتهديد الأمن المغربي، مقابل عدم وجود أدوات إيرانية لمعالجة الأزمة، إضافة إلى التورط الإيراني في تهديد العالم العربي، والتزام الرباط بالمسار العربي في التصدي للتدخلات الإيرانية. Your browser does not support the video tag.