لا يكاد يمر شهر أو أقل إلاّ ونسمع كارثة بشرية يذهب ضحيتها أبرياء وصغار بالسن، وذلك يحدث بسبب ظاهرة "التفحيط" التي مازالت متفشية في مناطق المملكة والعاصمة بالتحديد، ورغم القوانين الصارمة التي أقرتها الجهات المختصة في الآونة الأخيرة، إلاّ أنه وفق إحصاءات رسمية صدرت أخيراً أنه يتعرض سائق واحد على الأقل لحادث مرور كل ثانية، فيما يلقى ما لا يقل عن (20) شخصاً، أغلبهم من الشباب حتفهم يومياً لأسباب تتعلق بالسرعة، أو التفحيط، أو القيادة الخطرة، أو لعدم الانتباه. وتحولت "ثقافة" الاستمتاع الخطر بالقيادة إلى ظاهرة، لدرجة أنها اتخذت لها اسماً خاصاً بها هو "التفحيط"، وهو يعني الاستعراض والمناورة بإطارات المركبة حد الاشتعال في بعض المرات، أمام تجمع غفير من الشباب المولع بالسيارات. غير حضاري وقال أ.د. منصور بن عسكر -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن ظاهرة التفحيط بدأت في المجتمع السعودي في أواخر السبعينات الميلادية تقريباً، مع استفادة المجتمع من عائدات النفط وبداية الطفرة الاقتصادية للمجتمع، ويعد التفحيط سلوك غير حضاري للتعبير عن الترف الذي يمارسه الشباب في وقت الفراغ، مضيفاً أن هذا السلوك لم يجد القبول الاجتماعي لحدوث أضرار في الممتلكات الخاصة والعامة، وعليه فقد اتخذت السلطات في المملكة الجزاءات الصارمة للحد من ظاهرة التفحيط، ومع ذلك فالشباب مازالوا يمارسون هذا السلوك المشين، مبيناً أن استمرار هذه الظاهرة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها ضعف الرقابة والمتابعة الأسرية للأبناء، والفشل الدراسي، فيوجد نسبة كبيرة من المفحطين مستواهم التعليمي متدنٍ، وكذلك التهور لدى الشباب وعدم تقديره لعواقب الأمور، إضافةً إلى أن ذلك يتزامن مع تعاطي المخدرات، إلى جانب قلة أماكن قضاء وقت الفراغ المناسبة للشباب في المجتمع، وعليه فقد يكون الحل الأمني وحده لا يكفي للقضاء على مشكلة التفحيط في المجتمع، إذ لابد من تفعيل دور المدرسة وزيادة وعي الوالدين بأهمية تعليم الأبناء بالطرق المثلى والتأكيد على ضرورة مراعاة الأدب في سلوكهم مع الآخرين وعدم الإضرار بهم أو إلحاق الأذى بهم، كذلك ضرورة أن يكون هنالك ساحات خاصة لممارسة الشباب للرياضات الخاصة بقيادة السيارات حتى يتمكن الشباب من تفريغ طاقاتهم، واستثمار إمكاناتهم وتطويرها لصالح المجتمع، وبذلك تكون الجزاءات المتخذة في حق المفحطين مجدية وذات نفع عام، مشيراً إلى أن هناك ارتباط كبير بين التفحيط والجرائم الأخرى كالمخدرات والسرقة والانحراف الأخلاقي. تنشئة اجتماعية وأوضح د. يزيد بن إبراهيم الصيقل -باحث في علم الجريمة- أنه بالنظر إلى العقوبات المرورية نجد أن هناك تدرجاً وتغليظاً تجاه ممارسي التفحيط، حيث إن العقوبات المرورية تجاه هذا السلوك المنحرف تم مضاعفتها رغبةً في تحقيق الردع العام والردع الخاص للتخفيف من هذه الظاهرة، إلاّ أن هذا السلوك لايزال مُمارساً من بعض الشباب مما يستدعي البحث في جذور هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها، مضيفاً أن طرائق التنشئة الاجتماعية في مجتمعنا لم تواكب المتغيرات المحيطة للأفراد، حيث إن للأسرة دوراً فاعلاً ووقائياً في الحد من السلوكيات المنحرفة ومنها التفحيط من خلال تحصين وتبصير الفرد تجاه خطورة السلوك المتعارض مع الأنظمة والأعراف الاجتماعية بعيداً عن تدليل المراهق، فكلما زاد حجم التجريم داخل نطاق الأسرة كلما قل احتمالية وقوع الفرد في الانحراف، كما أن إشباع احتياجات الفرد كالحاجة إلى الانتماء وتقدير الذات داخل محيط الأسرة يعد عاملاً مهماً في عدم ارتكاب الجرائم المتعلقة بإبراز الذات، مبيناً أن لوسائل الإعلام دوراً وقائياً من خلال رسائل التوعية التي تساهم في تشكيل الاتجاهات السالبة المجرمة نحو ظاهرة معينة، واستخدام الأفراد المؤثرين لإيصال المحتوى الإعلامي الوقائي المجرم للتفحيط. دور المدرسة وأكد د. الصيقل أن المدرسة تعد من مؤسسات التنشئة الوقائية حال تفعيل دورها الإرشادي والتعليمي، حيث إن على القائمين في المجال التربوي دوراً يتعلق برعاية وإصلاح الطلاب الذين قد تظهر عليهم بوادر انحراف وتجنح بسلوك معادي ومضاد للأنظمة والأعراف الاجتماعية كالتفحيط، كما أن لشغل أوقات الفراغ بالأنشطة المفيدة والتي تتوافق مع رغبات الشباب والأعراف الدينية والاجتماعية خاصةً في الإجازات يعد عاملاً في عدم الوقوع في الانحراف، مضيفاً أن هناك ارتباطاً كبيراً بين جريمة التفحيط والجرائم الأخرى كالمخدرات والسرقة والانحراف الأخلاقي، مما يستدعي تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والنهوض بها للقيام بدورها في الحد من السلوكيات المنحرفة، والتوجه الحديث نحو العقوبات البديلة له دور فاعل في تبصير الشباب نحو خطورة التفحيط كزيارات المستشفيات وخدمة مرضى ومصابي الحوادث المرورية كعقوبة لفترات معينة، وتعريف المراهق بما سينتج من التفحيط وتهذيب وتوجيه سلوكه. غياب القدوة وتحدث مخيمر بن عبدالله المطلق -باحث في علم النفس- قائلاً: إن ظاهرة التفحيط قد تفشت وأصبحت مزعجة، كما تسببت لكثير من الناس بكوارث وذكريات مؤلمة، فكم من شخص فقد عزيزاً، وكم من شخص أصبح عاجزاً، وكم من شخص تأذى نفسياً، مضيفاً أنه لابد أن تتضافر الجهود والمؤسسات من أجل الحد بل والقضاء على هذه الظاهرة من خلال معرفة أسبابها وكيفية علاجها والحد من انتشارها، مبيناً أنه يجب على الجهات البحثية عمل دراسة علمية لكي نقف على الأسباب التي تجعل الشباب والمراهقين يندفعون إلى ممارسة التفحيط ووضع التوصيات والحلول للحد من انتشار وتفشي ظاهرة التفحيط، ولو تمعنا قليلاً لوجدنا بعض الأسباب التي قد يكون لها دور إيجابي في انتشار تلك الظاهرة وتفشيها بين الشباب في مجتمعنا ومنها عدم مراقبة ومتابعة الأبناء من قبل أسرهم وأولياء أمورهم، وكذلك غياب القدوة الحسنة والمشكلات الأسرية والتفكك الأسري، إضافةً إلى غياب التوجيه والإرشاد والتوعية من قبل الأسرة وشركاء الأسرة كالمدرسة والمسجد، لافتاً إلى أن هناك عوامل متداولة تبرز هذه الظاهرة منها وجود صورة ذهنية تمجد التفحيط والمفحطين وتصور ذلك بأنه عملية بطولية من خلال متابعة ما يعرض على الشاشات من أفلام، والتي بدورها تعرض سلوك التفحيط بطريقة إيجابية وبطولية، كذلك من الأسباب التي تشجع على تفشي ظاهرة التفحيط التجمهر في الشوارع لمشاهدة ممارسي التفحيط. وكشف عن أن هناك أساليب علاجية للحد من هذه الظاهرة ويكون لها دور كبير وفعّال في الحد من تفشي ظاهرة التفحيط ومنها توعية الآباء والأمهات بأهمية احتواء الأبناء وإرشاد الطلاب وتوعيتهم بمخاطر التفحيط، وعمل زيارات مدرسية إلى مستشفيات النقاهة، واستخدام بعض نماذج التائبين (أسلوب النمذجة)، وكذلك يجب فرض وسن عقوبات صارمة وتجريم مرتكب مخالفة التفحيط، خاصةً إذا أدى ذلك إلى إلحاق الأضرار النفسية والجسدية بالآخرين. هناك ارتباط كبير بين التفحيط والجرائم الأخرى د. منصور بن عسكر د. يزيد الصيقل مخيمر المطلق Your browser does not support the video tag.