النسخة الثالثة لمونديال كأس العالم، ستقام في فرنسا، كانت هذه الخطوة من الاتحاد الدولي لكرة القدم رغبة منه لتكريم الفرنسي جول ريميه الذي أكمل 33 عاماً يترأس الاتحاد، وهو مبتكر فكرة إنشاء البطولة والمناضل لقيامها على ملاعب كرة القدم، لكن هذا الخبر أثار حفيظة دول أميركا الجنوبية، وأخرجهم غاضبين من مقر الاجتماع في برلين عام 1938م، واعتقدوا أن استضافة البطولة ستكون بالتناوب بين القارتين في كل نسخة، لذلك أصرت الأوروغواي على إكمال غيابها عن محافل كؤوس العالم، وجذبت معها الأرجنتين التي لم تحضر في هذه النسخة بهدف تسجيل موقف أمام قرار الاتحاد الدولي، وإدخالهم في حرج شديد أمام المجتمع الدولي الرياضي، لكن هذه القرارات لم تغير شيئاً، ومضت فرنسا في تجهيز ملاعبها ومدنها لاستضافة النسخة الثالثة. وإلى جانب غياب الأوروغواي والأرجنتين، فقد غابت أسبانيا التي كانت منشغلة بالحرب الأهلية المشتعلة في مدنها، ليقرر اتحاد كرة القدم الدولي مشاركة بطل النسخة الأخيرة وصاحب البلد المستضيف، والهدف من مشاركة إيطالياوفرنسا من دون خوض تصفيات رفع عدد المنتخبات المشاركة، وبعد أن وصل عددها إلى 16 منتخباً، اتحد منتخبا النمساوألمانيا بمنتخب واحد ألماني، لتنقص المنتخبات مجدداً إلى 15 منتخباً وهي التي شاركت في نهائيات مونديال فرنسا. فرنسا تودع بالنظام ذاتها المتبع في النسختين الأولى والثانية، انطلقت مباريات الدور الأول لثالث نسخ مونديال كأس العالم، فرنسا البلد المستضيف التقت نظيرتها بلجيكا وهزمتها بنتيجة 3-1، واحتاجت إيطاليا إلى وقت إضافي لتتأهل إلى ربع النهائي على حساب النرويج، وفي مباراة ماراثونية اضطرت البرازيل وبولندا أن يلجآ إلى الأشواط الإضافية، بعدما تعادلا في الدقائق ال90 4-4، وسجلت البرازيل هدفها الخامس والسادس في الشوط الإضافي الأول، وقلصت بولندا النتيجة بهدف خامس، لتنتهي المباراة بفوز البرازيل 6-5، لتسجل المباراة أكبر عدد أهداف مسجل في نسخ البطولة الثلاث. هولندا صمدت أمام تشيكوسلوفاكيا لمدة 90 دقيقة، واحتكم المنتخبان إلى الأشواط الإضافية، وفيها انهار منتخب هولندا وخسر المواجهة 3-صفر، ألمانياوسويسرا بعد أن تعادلا في مباراتهما الأولى إيجابياً 1-1، لعبا مباراة الإعادة والتي شهدت تفوق سويسرا 4-2، المجر لم تلاق صعوبة بالغة في مواجهتها مع الهندالشرقية الهولندية، واكتسحتها 6-0، وبعد أن تعادلت كوبا ورومانيا 3-3، تفوقت كوبا في مباراة الإعادة 2-1، وآخر مواجهات الدور الأول، شهد تأهل منتخب السويد من دون أن يخوض أي مباراة بعد انسحاب النمسا. حتى وإن كان الخروج على يد بطل النسخة الماضية، إلا أن مغادرة البلد المستضيف للمسابقة، تعتبر واحدة من مفاجآت النسخة الثالثة لكأس العالم، فرنسا تخسر أمام إيطاليا في ربع النهائي 3-1، وتودع "المونديال"، والبرازيل بعد مباراتين أمام تشيكوسلوفاكيا تصل إلى نصف النهائي بفوزها 2-1، والمجر تقصي سويسرا 2-0، والسويد تكتسح كوبا 8-0. مواجهة من العيار الثقيل نصف النهائي شهد مواجهة البرازيل أمام إيطاليا، وقطعاً إن ذلك لسوء حظ البرازيل، كونها ستواجه المنتخب الأقوى آنذاك وحدث ما كان منتظراً في تحقيق إيطاليا للانتصار 2-1، وخسرت السويد أمام المجر 5-1، لتضرب إيطاليا والمجر موعداً في نهائي المونديال. ووسط حضور 14 ألف متفرج، لأن مدرجات ملعب أولمبيك دي كولومب، لم تكن تتسع لأكثر من هذا العدد، انطلق نهائي النسخة الثالثة لمونديال كأس العالم في 19 يونيو، إيطاليا تتقدم بهدف جينو كولاوسي بعد ست دقائق من بداية المباراة، وبعدها بدقيقتين عادل بال تيتكوش النتيجة لصالح المجر، لم يستمر التعادل طويلاً حتى عادت إيطاليا وتقدمت بالهدف الثاني عن طريق سيلفيو بيولا، وقبل أن ينقضي الشوط الأول عززت إيطاليا تقدمها بالهدف الثالث عن طريق جينو كولاوسي، وفي الشوط الثاني واصلت المجر محاولات العودة للمباراة لكنها ظلت بلا فائدة، وعند الدقيقة 70 قلص غيورغي شاروشي نتيجة المباراة بالهدف الثاني، ومع استمرار هجمات المجر بحثاً عن هدف التعادل أضاف بيولا الهدف الرابع للطليان وكان بمثابة الإعلان الرسمي عن تتويج إيطاليا بلقب كأس العالم للمرة الثانية على التوالي. الصافرة اللاتينية تغيب بلغت أهداف البطولة 84 هدفاً، تناوب على تسجيلها 42 لاعباً، كان للبرازيلي ليونيداس دا سيلفا، النصيب الأكبر من خلال تسجيل سبعة أهداف طوال مجريات البطولة، قادته لتحقيق لقب هداف النسخة الثالثة، وجاء المجريان غيورغي شاروشي وغيولا زينغيلز بالوصافة برصيد خمسة أهداف إضافة للإيطالي سيلفيو بيولا، وسجل الإيطالي جينو كولايساي أربعة أهداف، فيما سجل البرازيليان خوسيه بيراسيو وروميو بليكساري ثلاثة أهداف ومعهما الكوبي هيكتور سوكورو. النسخة التي خلت حتى من الصافرة اللاتينية، فجميع حكام مبارياتها من أوروبا، شهدت حدثاً غريباً إذ اتحدت الكثير من الجماهير خلف منتخب سويسرا حين التقت مع ألمانيا نكاية بالزعيم الألماني هتلر والذي أعلن تحديه في أولمبياد 1936 على أن ألمانيا ستكتسح العالم حتى على الصعيد الرياضي، لكن تلك التحديات ذهبت أدراج الرياح بعد أن سحقتها سويسرا 4-0 أدخلت البهجة لنفوس الفرنسيون الذين شجعوا ضد ألمانيا. ولأنها السياسة التي ترفض الانفصال عن الرياضة، هيمنت سياسة حاكم إيطاليا موسوليني حتى على تعامله الرياضي، فقد بعث إلى لاعبي منتخب بلاده، بعد مغرب شمس اليوم الأخير قبل نهائي مونديال العالم، برسالة كتب فيها ثلاث جمل تمت قراءتها على اللاعبين بعد تناولهم طعام العشاء (الفوز أو الموت)، أراد حاكم إيطاليا أن يبقى اللقب في بلاده، لكونه يرى ذلك دعماً كبيراً لنظامه الفاشي الذي يحكم إيطاليا، في وقت خسر النظام النازي بقيادة هتلر فرصة التتويج باللقب بمجرد أن خرجت ألمانيا من المسابقة. الهجوم الإيطالي يكسب على الرغم من هذه التدخلات السياسية التي شهدتها كرة القدم، إلا أن إيطاليا تعترف بالكثير من الفضل لمدربها بوتسو الذي قدم لإيطاليا منتخباً هجومياً، لا يعرف الدفاعية ويبحث عن زيادة غلته من الأهداف، لقد كان تتويج إيطاليا باللقب الثاني على التوالي، من الأمور التاريخية التي علقت في ذاكرة الكرة الإيطالية، حينها قال بوتسو بنشوة تحقيق اللقب: "لقد أظهرنا للعالم أننا نستطيع التتويج بلقب المسابقة بغض النظر إن أقيمت فوق ملاعبنا أو خارجها". ولأن الرسالة التي بعثها موسوليني قد انتشرت كالنار في الهشيم، بين المنتخبات المشاركة في نسخة كأس العالم، باعتبارها قد جاءت من حاكم عُرف بالاستبداد والتسلط، لذلك برر حارس المجر أنتال شابو خسارة منتخب بلاده في النهائي بقوله: "بقبولي للخسارة، لقد أنقذت حياة 11 لاعباً"، في إشارة منه لحياة لاعبي إيطاليا التي كانت مهددة فيما لو عادت البعثة الإيطالية إلى ميلان من دون أن يكون معها كأس العالم. نهائي ما قبل الحرب وطالما وصلت السياسة إلى قلب الرياضة، كان لابد لها أن تتسبب في توقف قلب الرياضة عن النبض، متى ساءت أحوالها وارتفعت وتيرة الخلافات بين الدول، لذلك كان نهائي مونديال كأس العالم عام 1938 هو الأخير قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية والتي نشبت بعد نحو عام من تتويج إيطاليا باللقب، واستمر غياب كؤوس العالم عن التواجد بسبب هذه الحرب، حتى عام 1950 وهو العام الذي شهد عودة الحياة مجدداً إلى منافسات كرة القدم، وأقيمت النسخة الرابعة لكأس العالم، بعد أن توقفت نيران الحرب في أوروبا. وعلى الرغم من أن إيطاليا حققت اللقب مرتين متتاليتين، إلا أن بعض الرياضيين آنذاك كان يشكك في قدراتها الفنية، وأن اللقبين تحققا لأسباب سياسية خارجة عن ملاعب كرة القدم، إذ تسدد الاتهامات إلى موسوليني بأنه تلاعب في نتائج كلا المباراتين التي خاضتها إيطاليا في نهائيات كأس العالم، إضافة لتلاعبه في بطولة الأولمبياد عام 1936م. موسوليني أقحم السياسة في الرياضة البرازيلي دا سيلفا هداف نسخة 1938 إيطاليا تكرر الفوز بالبطولة للنسخة الثانية على التوالي Your browser does not support the video tag.