طريق أعمى يسير فيه الإرهابيون لاستهداف دور العبادة والأماكن المقدسة، كان آخرها مذبحة راح ضحيتها العشرات من الأبرياء خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد محافظة شمال سيناء بمصر، وهذا نهج مختلف الجماعات التكفيرية على مدار التاريخ، ففي زماننا فعلتها "القاعدة" في استهداف دور العبادة بالعراق، كما فعلتها جماعة "بوكو حرام" وحركة "الشباب" النيجيرية، ولا يمكن أن ننسى التفجير الذي استهدف مسجد القديح في 22 مايو 2015 حينما قام داعشي بتنفيذ تفجير انتحاري بحزام ناسف بين المصلين بمسجد الإمام علي بن أبي طالب في محافظة القطيف، وأدى إلى سقوط 21 شهيدًا وإصابة العشرات، وتفجير جامع العنود في مدينة الدمام أثناء صلاة الجمعة 29 مايو 2015، الذي أدى إلى قتل 4 أشخاص. وقال د. عادل المراغي، الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، إن الفكر التكفيري أو فكر الخوارج فكر قديم ولكنه لبس ثوبا آخر في المجتمع المعاصر، ففي عهد سيدنا علي بن أبي طالب لمّا خرج الخوارج وقتلوا الصحابي الجليل عبدالله بن الخباب وبقروا بطن امرأته وأخرجوا جنينها وقرؤوا الآية القرآنية "وعجلت إليك ربى لترضى"، هذا الفكر تنبأ به النبي عليه الصلاة والسلام وحذر منه، ومن أهم أوصاف هؤلاء سفهاء الأحلام، حدثاء الأسنان، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحسبون أن القرآن لهم وهو عليهم، يتركون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام، فجماعة "بيت المقدس" تركوا بيت المقدس يعبث فيه اليهود وقتلوا الأبرياء الركع السجود في مسجد الروضة. وشدد المراغي على أهمية نشر قيم الإسلام السمحة خاصة قيم التعايش السلمي، مشيرا إلى أن الخطاب الديني في كل الدول يحتاج إلى مراجعة خاصة "إقصاء الآخر"، ونحن نتحدث عن الدفاع لكل دور العبادة وبالتالي المطلوب من المسلمين أيضا الدفاع عن دور العبادة لغير المسلمين. من جهته أكد الشيخ صبري عبادة، مستشار وزارة الأوقاف المصرية، أن التطور الموجود حاليا في الفكر المتشدد لاستهداف الآمنين والمصلين يعطي مدلولا أن هؤلاء لا يتبعون الدين الإسلامي أو إحدى الديانات السماوية لأن قدسية المسجد كبنيان تقع في قلب أي إنسان عدم المساس به أو الاقتراب منه لأن الله عز وجل وضع للمسجد في القرآن الكريم شروطا وأركانا، وحبا المسجد من السنة المطهرة بأحاديث تحث المسلمين على عدم المساس أو اللهو بالمسجد وقال الله تعالى: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها". وأوضح عبادة أن الإنسان الذي يذهب إلى المسجد يذهب بقلب صافٍ وروح طيبة لأداء شعيرة من شعائر الإسلام ثم يقابله الإرهاب برصاصات غاشمة على خلفية لا أصل لها، يقطع أمام المسلمين أن الإرهاب الأسود لا دين ولا خلق له وأن كل الهدف منه هو إراقة الدماء، وأن هؤلاء مأجورون من قوى الشر التي تريد تأجيج حياة المواطنين الآمنين. وانتهى الرأي تماما بعد كلمة شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب وأصبح الأمر جليا بعد كلمات العلماء الأجلاء أن استهداف دور العبادة سواء كانت إسلامية أو مسيحية يبين للعالم بأسره أن الفكر المتشدد لا ينتمي إلى دين وأن الإسلام من ذلك براء، الإسلام الذي حافظ على المسجد وجعله واحة للراحة والطمأنينة. وأكد الشيخ خالد عمران، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ل"الرياض"، أن القرآن جعل استهداف المساجد من شأن أظلم الناس، فتوعدهم الله ولذلك هذه إمارة أظهرها الله سبحانه وتعالى على مدار التاريخ من كثير من الخوارج لأنهم ليسوا متدينين وليسوا طلاب شرع، وإنما هم في الحقيقة يتسترون بالدين للبلوغ لأهداف أخرى، فبعد استهداف مسجد وقتل الأطفال والشيوخ بهذه الطريقة هذا يذكرنا باعتداءات في سلسلة طويلة على المساجد المعظمة ومن قبل اعتدى قوم على الكعبة المشرفة وسرقوا الحجر الأسود، ومن قبل اعتدى قوم على المسجد الحرام ومنعت الصلاة فيه بسبب بغيهم وفسادهم، فالخوارج لا دين لهم ولا يعظمون مسجدا ولا يراعون أدبا، ولذلك أوجب الله قتالهم. ويرى عمران أن استهداف المساجد يعتبر بداية النهاية وهو أحد مظاهر الانتحار، وزوالهم قد اقترب؛ لأنهم فضحوا أمام العالم بأنهم ليسوا طلاب دين وفي الحقيقة هم يتسترون باسم الدين للوصول لأهداف أخرى. وعلينا رفع الوعي لمن لا يدركون خطر هذا الإرهاب، بالتعليم والتمسك بالوسطية الدينية التي أخذناها من القرآن ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ومن العلماء الصادقين الذين كانوا منارات لاهتداء الناس وعبادة الله وتذكية النفس ولعمارة الأرض، فهذه معايير علمية ينبغي أن نتجه لها، وليس لنا سبيل سوى الاتجاه نحو العلم. وقال هاني ضوّة، نائب مستشار مفتي مصر، إن العملية الإرهابية الخسيسة على مسجد الروضة بمصر كانت تحولًا نوعيًا جديدًا من قبل الجماعات الإرهابية، وهذا الأمر يعطينا بعض المؤشرات وهي أن تلك الجماعات أظهرت عن أقبح وجوهها، وفكرها ومنهجها الحقيقي باستهداف المساجد والمصلين مما يعني أنهم يستهدفون الجميع، وأنهم يريدون أن يوصلوا رسالة أنه لم يعد أحد في أمان ما دام لا يتبع أفكارهم سواء المسلمين أو المسيحيين. هذا يشير كذلك إلى أن هذه الجماعات أصبحت تتخبط وتسعى لإثبات وجودها وقوتها، خاصة بعد الضربات الأمنية الناجحة التي قامت بها قوات الجيش والشرطة بمصر وقضت على المتورطين في حادث الواحات الإرهابي، وكذلك 3 من المتورطين في حادث اغتيال الشهيد العميد عادل رجائي، ينتمون إلى ما يسمى تنظيم "لواء الثورة" الذي يتبع جماعة الإخوان الإرهابية، وأيضًا كشف شبكة تجسس قبل حادث مسجد الروضة بأيام. وأضاف ضوّة ل"الرياض" أن التطور الموجود في فكر هذه الجماعات يؤكد فساد منهجهم وأنهم مستعدون لفعل أي شيء من أجل تحقيق أغراضهم، فسفك الدماء عندهم طاعة؛ لأنه مرتبط بما يزعمون أنه جهاد من أجل إعلاء راية خلافتهم المزعومة، ونسوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حذر من سفك الدماء وقال إنها أشد حرمة عند الله من هدم الكعبة، وأن دولة الإسلام الأولى لم تقم على سفك الدماء، وإنما كان الجهاد لدفع معتدٍ وتحت رايةٍ جامعة وبقرار من ولي الأمر، وحتى في جهاد الأعداء وضع نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم دستورًا لتلك الحرب وحذر أصحابه من خرقه بألا يقتلوا شيخًا كبيرًا ولا طفلًا صغيرًا ولا امرأة ولا شخصا أعزل لا يقاتل، ولا الرهبان في الصوامع أو الكنائس، وألا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا حيوانًا إلا لمأكله. كل هذه الضوابط وضعها النبي في حالة الحرب مع الأعداء، فما بالكم بمن يقتل الأبرياء دون ذنب أو جريرة، لا شك أنه منهج فاسد دينيًا وإنسانيًا. خوارج العصر انتهكوا حرمة المساجد وقتلوا الركع السجود Your browser does not support the video tag.