الحديث عن المملكة في وسائل الإعلام العالمية مختلف في مضمونه، وتوقيته، وأجنداته، ومصالحه، ولم يعد قاصراً على النفط كسلعة، أو الدين كمعتقد، أو الإنسان كسلوك، أو السوق كمستهلك، ولكنه حديث عن السعودية الجديدة، الطموحة، الشابة، المنجزة في مشروعات تحول غير مسبوقة على أكثر من صعيد. العالم لم يعد يرى السعودية برميل نفط يرتفع مؤشره وينخفض ليتحكم في قرارها، وتنميتها، ومستقبل أجيالها، وإنما يرى براميل نفط متعددة الدخل في الاستثمارات، والشراكات، وقطاعات واعدة في الطاقة، والمعادن، والترفيه، والنقل، والعمل، والتكنولوجيا المتقدمة، وقبل ذلك بناء الإنسان، وصياغة وعيه نحو مفاهيم أكثر عمقاً وتقدماً ليرى مستقبله قبل حاضره، ويرسم معها وجوده، وحضوره، ومستوى تأثيره. تقرير صحيفة "التايمز" البريطانية مؤخراً عن مستقبل الاستثمارات السعودية، ودور صندوق الاستثمارات العامة في تحقيق رؤية المملكة، وقيمته المتوقعة بنحو 1,4 تريليون دولار بحلول عام 2030؛ يتنبأ بأن تكون المملكة في صدارة اقتصاديات العالم، والمحرّك الرئيس لها، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا ذات العائد السريع. هذا الاستنتاج يشفع له حجم الحراك الهائل في السعودية، وتعدد الاتفاقيات الدولية، وبناء المشروعات النوعية، والسباق المحموم مع الزمن للوصول إلى مستهدفات برامج الرؤية، والأكثر أهمية بناء الثقة في اقتصاد منفتح، متنوع، متجدد، وما يحيطه من إجراءات حوكمة مشددة، وشفافية متناهية، وتنافسية عالية، وهي مغريات جاذبة لبيئة حقيقية للاستثمار لا تختلط فيها المصالح على حساب تعظيم المحتوى المحلي، ولا تتراجع فيها القيم عن متغيرات الواقع، ولا يتقدم الطموح من دون إنسان مؤهل لمواجهة التحديات. الأمير محمد بن سلمان لا يتحدث من فراغ وهو يراهن على بلاده أن تكون الأكثر تأثيراً في عالم المال والأعمال والاقتصاد، وصندوقها السيادي الأكبر عالمياً، واستثماراتها تتجاوز حدود العلاقات الدولية لتصل إلى الشركات الكبرى التي تحرّك تلك العلاقات، ويفتح لها ممراً آمناً للتواجد في المملكة، واقتطاع حصتها في السوق الكبير على أساس من الشراكة التي تنتهي بالإنتاج، والمشاركة في دورة الاقتصاد الكلية للوطن. الإعلان عن رؤية المملكة 2030 كان المتغيّر الأهم في عملية الإصلاح الاقتصادي للمملكة، وبغض النظر عن التفاصيل المهمة في هذا الإعلان، إلاّ أنه من جوانب أخرى أعاد الثقة في قوة الاقتصاد السعودي أمام العالم، والانفتاح عليه، ومنح الجميع فرصة التواجد في المملكة، ومتابعة قراراتها، وتطور أنظمتها، وسلامة إجراءاتها، وهي مؤشرات إيجابية ينقلها الإعلام، ويتجاوب معها، ويمنحها مساحة الحضور في وسائله، وهو أحد أهم مكاسب الرؤية الطموحة، ويبقى الأهم أن نمضي إلى تحصين مكتسباتنا، وتعجيل انعكاساتها على الوطن والمواطن معاً.