قال عالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي البريطاني تشارلز روبرت داروين قبل عشرات العقود بأن الإنسان ابن بيئته من حيث التكيف مع الموجودات وتفاعل الانسان مع البيئة من حوله جمادات كانت أو كائنات حية حيث ان الكائن الحي يؤثر ويتأثر فطريا في بيئته. ثم تشعبت هذه النظرية وفسرها علماء آخرون وطبقوها على العلوم المختلفة ولعل علم الاتصال وعلم الاجتماع الأبرز من حيث تبني هذه الفكرة، ففي علم الاتصال والتواصل كان الانسان يتواصل مع الموجودات حوله بخوف حتى يألفها ثم يصبح تدريجيا يحتمي بها عند شعوره بالخوف. كذلك عندما يرى انسانا آخر لأول مره يخافه حتى يتأكد بأنه لا يشكل له مصدر خطر ثم يألفه ويبدأ في التواصل معه ويصبح معه ضد الآخرين. ثم تتكون العشيرة وتألف بعضها البعض وتصبح العشائر مصدر قلق وخوف حتى تتم هدنه وهكذا. قبل عالمنا الحالي وقبل ثورة التطبيقات الحديثة كانت علاقاتنا وصداقاتنا لا تتجاوز حدود الأقارب ثم تتسع قليلا لتصل مرحله البيوت القريبة ثم الحي الذي نسكن فيه. كان من الصعب أن تتعرف على أحد من الحجاز مثلا إذا كنت تسكن في منطقه نجد والعكس. ثم تغير الحال قليلا مع من عاش تجارب السفر لدراسة فأصبح يخالط أبناء جلدته مقارنه بالمجتمع المحيط المختلف تماما ثم تتسع الدائرة وهكذا. تغير الحال جذريا في العقد الأخير وبالتحديد الخمس سنوات الأخيرة بفضل ثورة التطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي والتي صاحبها ثورة في التواصل والعلاقات، ليس بين أبناء البلد الواحد بل حتى بين افراد من دول مختلفة. مع هذه التطبيقات والشبكات، المكان والمسافة ليس لها قيمة في تعارف الناس فيما بينهم. بل أصبح المعيار الأساسي "الاهتمامات المشتركة" بغض النظر عن الجنس والعرق والديانة والجنسية كل هذا العناصر التي كانت قد تكون من العوائق سابقا، شبكات التواصل الاجتماعي جعلتها تتلاشى تماما طالما أن هناك اهتمامات مشتركة بين الأشخاص ورواد هذه الشبكات. بل أصبحت بعض سكتشاتهم وأعمالهم تعتمد على فريق مكون من عدة أشخاص أصحاب جنسيات وبيئات فكرية مختلفة. فالساحة أصبحت مليئة بأعمال خلفها هذه التنوع إما كضيوف لبرامج نجوم أو يتعاونون فيما بينهم على مشروع معين. الأمثلة كثيره فالعماني مثلا أصبح صديقا مقربا جدا لسعودي، والسعودي أصبح نجم شباك في الكويت بسبب تعاونه في مشاريع مختلفة مع نجوم شبكات التواصل في الكويت وغيرها. بل بعض المشاريع تتطلب منهم السفر كفريق واحد لبلد بعيد مما يعزز تواصلهم وصداقاتهم مع بعضهم لبعض أثناء الرحلة ويتعرفون من خلالها على نجوم شبكات التواصل في بلدان مختلفة. إذا كان مارشال ماكلوهان يعتقد بأن العالم قرية صغيرة من خلال نظريته فمع هذه الثورة في الاتصال والعلاقات والتي تنطلق من مبدأ الاهتمامات المشتركة فالعالم أصبح الآن "بيتا صغيرا" شبكات التواصل تبدد الخوف من المجهول الفضاء الإلكتروني يختزل العالم في غرفة الصداقات التقنية «المسافات» خارج الأقواس