يسعدني أن أكون للوطن من المطبلين، فوطني درة الأوطان، وفضل الرحمن، وتاج الأمان، وقلادة الإحسان، ليس قادته من الخلفاء الراشدين، وليست رعيتهم من الصحابة المرضيين، لكنه قيادة وشعباً خير هذا الزمان من المسلمين.. في مدح الوطن وذكر مزاياه، والتحدث عن إنجازاته، وذكر بعض محاسنه، تسل سيوف من ألسنة حداد ترميك بالتطبيل، وتتهمك بالعمالة! ولا أخال أحداً يلوم أحداً في مدحه لأمه، وثنائه على أبيه، فهو يثني على ما يراه من جانبه، وما يبصره بعينه، وما يراه الآخرون فيه من مثالب، فليس ذاك إلا لتحديقهم فيه بعين حقود، ونظر حسود: نظروا بعين عداوةٍ لو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا وهذا من حيث التنزّل فيما لو رأت عين الحسود معيباً، وإلا فقد استيقنت نفوسهم بفضائله، وتلبست ظواهرهم بجمائله، ولعمر الله إنه لمحض افتراء وجحود نعمةٍ أن يقال فيه سوء. إن من أهم مزايا وطني الحبيب أنه الموجه إليه نقد الناقدين في كل مشكلات الأمة! ويراد منه أن يتولى زمامها، وأن يكون عوناً لها في كل مصيبة، وفي كل نائبة، ويراد منه أن ينفق عليها، ويسد خللها، ويؤوي مستضعفها، ويحارب عنها، ويتحمل كل التبعات! وفوق ذلك، تجد الازدواجية عند الكثيرين، فهم يشكرونه باللسان، وكثير يحرص على أذيته ليس إلا لأنهم لم يبلغوا ما بلغ، ولا يتسعون لما اتسع: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالكل أعداء له وخصومُ هم يريدونه الأب الروحي، ويريدونه الأخ الأكبر، والأصغر، يريدونه أماً حنوناً، ويريدونه ابناً باراً! لهذا هم يحملونه كل إخفاقات الأمة، وكل سلبياتها، يحملونه ضعفها وتفرقها، ويحملونه فقرها وسوء إدارة بعض دولها أو كلهم، ويحملونه أيضاً عبء غناه، وكأنه السبب في فقرهم! أليس الوطن بهذه الأحمال الثقال جديراً بالاحترام، وأهلاً للحب والتضحية، ألا تعد نصرته والدفاع عنه وبناؤه، طواعية بغير تكلف؟ ومهما بلغ بنا الكد في الدفاع والبناء فإن لذلك لذاذة لا توصف: لو قال تيها قف على جمر اللظى لوقفت ممتثلاً ولم أتوقفِ ومع كونه لا يتعدى أن يكون وطناً ضمن الأوطان، وجزءاً من الأمة، فهو للأمة بمنزلة الرأس فإن الرأس يحتاج إلى جسد، ولكن الجسد ضعيف لا يعين الرأس المفكر على المضي قدماً، وكيف يمشي المقعد، وكيف يجري المشلول؟ فليعذرني المتشائمون، وليخسأ الحاقدون، فأنا في كل يوم وفي كل آن، يسعدني أن أكون للوطن من المطبلين، فوطني درة الأوطان، وفضل الرحمن، وتاج الأمان، وقلادة الإحسان، ليس قادته من الخلفاء الراشدين، وليست رعيتهم من الصحابة المرضيين، لكنه قيادة وشعباً خير هذا الزمان من المسلمين، وأفضل من يحمي حمى الدين، ولا ينافسه في هذا بلد، فهو في الصدر، وحامل الميدالية الذهبية في كل ميادين الخير. وأما من يتهمنا بالعمالة للوطن، أو لقيادته، فهذا وسام فخر، وتهمة لا نرجو البراءة منها، بل نعترف بها، ونصر عليها، وإنه من عجيب هذا الزمان، أن يكون حب الوطن، والولاء لقادته، تهمة يخاف من التلبس بها الحمقى، وهي علامة صدق على الإيمان، ووسم يعرف بين أهل الوفاء للأوطان، وأهل الجحود والنكران، ولا أجد أدل على حمق العقل، ودناءة الفكر، من جحود فضل الله بالوطن على أهله، فقد آواهم في حدوده، وأمنهم في قراه ومدنه، وأطعمهم من خيراته، ومتعهم ببحاره وحدائقه، وجعل فيه «بيته» واختاره ليكون «وطناً لنبيه، وحباه بشعب وقادة رحيمة قلوبهم، واسعة صدورهم، عالية أخلاقهم، ضربت في عمق التاريخ بطولاتهم ومآثرهم، جمع الله بهم شتات أهل الجزيرة، وعادت للمقدسات بهم مناراتها المنيرة، فهاهي المعمورة تؤم بلاد الحرمين، في أمن وأمان، ورعاية كريمة، وتشهد لهذا الوطن شعباً وقيادة بالحنكة والحكمة، فمن يقدر يمنع العاشقين عن مدح ما يحبون، وكيف يقدر العاشقون على دفع تهمة غرقوا فيها بغير تفسير: أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا والهوى لا يفسرُ هذا، والله من وراء القصد.