العلا، وأيضاً هي عروس الجبال، الاسم الذي أطلقه عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في أول زيارة له للعلا عندما كان أميراً للرياض، وعنه نقل عضو الشورى السابق د. عبدالله نصيف في كتاب له عن تاريخ العلا قوله: "لو خيرت في الإقامة بمكان لاخترت الإقامة في مدينة العلا". هي مدينة الأربعين عيناً والتي تضم في جنباتها مدائن صالح أول موقع سعودي تضمه منظمة "اليونيسكو" إلى قائمتها للتراث العالمي، وهو موقع تاريخي عريق يزوره آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم سنويًا. مجدداً تدخل العلا التاريخ بقرار المليك المفدى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز بإنشاء هيئة ملكية لمحافظة العلا يعتلي هرم مجلس إدارتها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لينص على القرار في حيثياته على أهمية تطوير محافظة العلا على نحو يتناسب مع قيمتها التاريخية، وما تشتمل عليه من مواقع أثرية، بما يحقق المصلحة الاقتصادية والثقافية المتوخاة، والأهداف التي قامت عليها رؤية المملكة 2030، ويبرز ما حبا الله به هذه البلاد من تراث إنساني. عرفت محافظة العلا التعليم مبكراً منذ جاءت الحكومة السعودية وجاء الخير مع مقدم الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- حينما انتشر التعليم وكان هدفاً أساسياً للحكومة بأن تنشر التعليم في أرجاء المملكة للقضاء على الأمية والجهل ففتحت المدارس وكان من ضمن تلك المدارس المدرسة السعودية في العلا وفتحت في عام 1349ه ومع مرور الزمن سميت مدرسة عبدالرحمن بن عوف. وتتميز العلا بموقع جغرافي ساحر بين جبلين كبيرين على وادٍ خصب التربة تزرع فيه النخيل والحمضيات والفواكه، كما تتوفر المياه الجوفية على مسافات قريبة على الرغم من الشح الكبير في الأمطار، ومناخها قاري حار صيفًا وبارد شتاءً، ويتبعها قرابة 300 قرية وهجرة، وفي عام 1432 تم افتتاح مطار الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز بمحافظة العلا على طريق المدينة السريع، وصمم المطار ليستوعب أكثر من 100 ألف راكب، ويخدم موقع المطار المحافظات المجاورة للعلا. وعبر التاريخ مثلت العلا نقطة التقاء بين حضارات الشرق الأدنى القديم، وحاضرة التجارة القديمة، لوقوعها في ذلك الوقت على طريق البخور والتوابل، وخضعت لسيطرة المعينيين حتى القرن الثاني الميلادي، إلى حين مجيء الأنباط. ويرى علماء الآثار أن "مدائن صالح" سكنت من قِبل المعنيين الثموديين واللحيانيين في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي القرن الثاني احتل الأنباط مدينة الحجر، وأسقطوا دولة بني لحيان، واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لأنفسهم في النقوش التي عثر عليها، لكن مدينة الحجر تحتوي على كمية هائلة من النقوش المعينية واللحيانية، ومناطق العلا وديدان والخريبة هي آثار لحيانية، وأقدمها ربما يعود إلى 1700 قبل الميلاد. يحرص السيّاح وزوار العلا إضافة إلى زيارة مدائن صالح على زيارة البلدة القديمة، والخريبة وهي مقابر الأسود، وجبل الفيل، وحظيت العلا بعناية الحكومة الرشيدة للمحافظة على تراثها الثقافي، وإتاحة الفرصة للجميع للتعرف إليه، وإلى واجهات المقابر المنحوتة، والمنطقة الدينية، المنطقة السكنية، الآبار والقنوات المائية، آثار طريق الحج الشامي، آثار سكة حديد الحجاز، آثار قرية الحجر، المدافن الركامية على رؤوس الجبال، وقصر الفريد في الجهة الجنوبيةالشرقية من دار الحجر "المدائن"، ومجموعة مقابر قصر البنت تقع إلى الغرب من جبل إثلب، وهما سلسلتان من القمم الصخرية تمتدان بشكل طولي في الجهة الشمالية الشرقية من الموقع، وكان لهذا الجبل أهمية بالغة لدى الأنباط، حيث اتخذوه مركزاً دينياً أو المنطقة المقدسة، ومجموعة مقابر الخريمات التي تقع إلى الغرب من سكة حديد الحجاز، والمنطقة السكنية التي تقع في السهل الذي يتوسط المدائن ويحيط بها سور لا تزال آثاره باقية في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، وتم التعرف إلى حدودها من خلال الأعمال الميدانية التي نفذت بالموقع. وأما البلدة القديمة وهي أطلال 870 منزلاً تنتشر حول قلعة مرتفعة بمواجهة المزارع التي روتها 34 ينبوعاً جفّ معظمها، وترتفع البلدة القديمة 70 متراً عن سطح البحر، وهي أرض خصبة وصالحة للزراعة يسمح مناخها بزراعة النخيل والحمضيات والمانغو كما تشتهر بزراعة القطن، ويستخدم سكانها المزولة أو "الطنطورة" باللهجة العامية للأهالي، لمعرفة الفصول الأربعة وتنظيم عملية الري. وتتوسّط البلدة القديمة قلعة موسى بن نصير التي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وهو مبنى من الحجر المشذّب المقام على رأس هضبة صغيرة. وتحوي العلا "مدينة ديدان القديمة ومملكة لحيان" مقابر الأسود، حيث كان الأسد يمثل رمز القوة والمنعة في ثقافة العالم القديم في مختلف الحضارات، ووجدت منحوتات للأسود في الخريبة أبرزها نحت الأسد الذي عثر عليه عام 1914، ونحت اللبؤة التي ترضع وليدها، إضافة إلى الأسود الأربعة التي تعلو مقبرتين جنوب موقع الخريبة، كما يوجد محلب الناقة، وهو حوض دائري الشكل منحوت بالصخر عرف محلياً باسم محلب الناقة. ومن أبرز المواقع التي لا بد أن يزورها السائح في العلا، متنزة الملك عبدالعزيز الشهير بحرة عويرض، من الجبل المطل على المحافظة بمنظر خلاب، ويعد من أهم المواقع السياحية التي يزورها السيّاح والأهالي، ويحرصون على التقاط صور بانورامية رائعة لمنطقة العلا من ارتفاع شاهق، وهي مطلة للعلا على سفح حرة عويرض والطريق إليه يكون بامتداد طريق العلا حائل غرباً، وينتشر عدد من الجلسات المجهّزة للعائلات والسيّاح على امتداد الحرة والمطلة مباشرة على مدينة العلا، ويبدو الوادي مكسوّاً بالخضرة بين مزارع النخيل والحمضيات وغيرها من الفواكه، كما تنتشر الجبال الأثرية على جانبيه في صورة بديعة قلما تجدها في مكان واحد. وفي الشمال الشرقي من العلا وعلى بعد سبعة كيلومترات تقع صخرة جبل الفيل التي يقصدها معظم السيّاح وزوار مدينة العلا وهي صخرة ضخمة يبلغ ارتفاعها عن الأرض 50 متراً، تتميّز بشكلها الفريد الذي يشبه الفيل، وتحيط بالصخرة مجموعة من الجبال ذات الألوان الفاتحة. ولي عهد المملكة المتحدة يزور العلا ومدائن صالح العلا تضرب موعداً جديداً مع التاريخ والتحديث والاقتصاد والثقافة إنشاء هيئة ملكية لمحافظة العلا تتناسب مع أهميتها التاريخية