القارئ لما صدر من مجلس الوزراء الموقر من قرارات بتنظيم عمل عدد من المؤسسات والهيئات العامة خصوصا تلك التي يوكل أمر تسيير شؤونها لمجالس إدارات، يلاحظ انه يتم وضع وزيرا على رئاسة مجالس إدارات تلك الأجهزة على اعتبار ان دوره يشكل حلقة وصل بينها وبين السلطة التنفيذية، لكن وباستقراء ما يرد في تنظيم تلك الأجهزة نجد النص الصريح على استقلاليتها المالية والإدارية في عملها، لكن واقع الحال يقول ان رؤساء مجالس الإدارات فيها يتمتعون في ظل وجود النص على هذه الاستقلالية "بهيمنة" إدارية وصلاحيات مالية واختصاصات تنظيمية لا محدودة، كترشيح وتزكية تعيين أعضاء مجالس إدارات واختيار المسئولين التنفيذيين في تلك الأجهزة ونحو ذلك. وذلك يأخذنا الى منحى القول بأن هناك لبس في فهم معنى نص "الاستقلالية" في عمل تلك الأجهزة الذي يرد في تنظيمها، لأن تمتع أي جهاز بالاستقلالية بالنظر الى ما ينص عليه تنظيمه من حيث التشكل لا تنشئه النصوص التشريعية فحسب، وإنما تؤصله قانونيا كذلك الاستقلالية التنظيمية عبر ثقافة تترسخ وتستقيم بالممارسة، أي بعد وجود النصوص من خلال مثلا آليات العمل المؤسساتي، والنظم الإدارية، والهيكلة التنظيمية، وتدرج الصلاحيات، وضوابط الأداء، وضمانات التطبيق، وقواعد المسألة، ومبادئ الحوكمة.. إلخ، ومن ثم تتشكل القناعة باستقلالية عمل تلك الاجهزة لاحقا بعيد عن الهيمنة الإدارية لرؤساء مجالس الإدارات؛ لذا يمكن القول ان اكتمال تحقق عنصر الاستقلالية يكمن في الممارسة أكثر منه في وجود النص التنظيمي، مع انه لا يمكن تصورها في حالة غياب النص النظامي. ولهذا نقول ان التوسع الذي على ضوئه ظهرت الحاجة لاستحداث مؤسسات وهيئات عامة، وما مرت به الأجهزة الحكومية من هيكلة تنظيمية لمواكبة احتياجات عمل مبادرات "برنامج التحول الوطني"، بجانب ما تم استحداثه من آليات ومبادئ حكومة لتحقيق رؤية الوطن 2030، يستلزم ما هو ابعد من وضع ترتيبات لمفاهيم التعاطي وآليات التنفيذ وأدوات المتابعة من قواعد لقياس وتقييم فاعلية وكفاءة أداء العمل الحكومي في جانب الأدوار والمسؤوليات سواء على مستوى رسم التوجهات والاعتماد، أو مستوى تطوير الاستراتيجيات، أو مستوى الإنجاز وما قد يتخلله من تصعيد لمواجهة إشكالات التنفيذ؛ نقول إن ذلك يقتضي وضع نظام حوكمة شامل لأعمال مجالس الإدارات واللجان في تلك المؤسسات والهيئات العامة بما في ذلك الشركات الحكومية وشبه الحكومية، وبيان اختصاصاتها والرقابة على أدائها المالي والإداري وتقييمه، وطريقة تشكيل مجالس الإدارات وآلية اختيار الأعضاء وعمل المجالس والتنفيذيين ومسئولياتهما، باعتبار ان ذلك مطلب لتأطير عنصر الاستقلالية الحقيقية في الأداء وضمان لتحديد مراكز المسؤوليات بوضوح.