المتابع للسياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- حتى خادم الحرمين الشريفين "سلمان الحزم والعزم" يجد أنها سياسة مرنة عرف عنها الحلم والصبر والتأني في جميع قراراتها وتحركاتها وخطواتها الدولية، فكيف بحقوق دولة جارة شقيقة أبت إلا التمرد، وعندما بلغ السيل الزبى ونفد الصبر منها و"شمّخ"، أعلنت أمس مملكتنا العامرة قطع علاقاتها مع دولة قطر انطلاقاً من ممارسة حقوق وطننا الكبير السيادية التي كفلها له القانون الدولي؛ حمايةً لأمننا من مخاطر الإرهاب والتطرف، و"مسلسل" كبير من التمرد والتقية السياسية المُبطّنة! وللمتابع، يجد أنه منذ عام 1995م والمملكة تبذل وأشقاؤها في دول الخليج جهوداً حثيثة مضنية لحث سلطات الدوحة على الالتزام بتعهداتها، والتقيد بالاتفاقيات، إلا أن هذه السلطات دأبت على نكث التزاماتها، وخرقت الاتفاقات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض المعروف، وأسفاً استمرت في التملص من التزاماتها، والتآمر عليها، بتُقيةٍ وتكبرٍ وعناد! السعودية مع شقيقاتها الكبرى الإمارات ومصر اتخذت قرار قطع علاقاتها مع قطر وإغلاق حدودها؛ تضامناً مع مملكة البحرين الشقيقة التي تتعرض لحملات وعمليات إرهابية مدعومة من قبل سلطات الدوحة، والمملكة تحديداً حسمت قرارها بعد صبرٍ طويلٍ امتد أعواماً، لم تتوقف مليّاً عنده إلا بعد تأكدٍ جازمٍ من الانتهاكات الجسيمة التي مارستها سلطات الدوحة ومكائنها الإعلامية المخترقة سراً وعلناً -والمستمر طوال السنوات الماضية- بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الوطن، والمساس بسيادته، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في الخليج والمنطقة، ومنها جماعة "الإخوان المسلمين" و"داعش" و"القاعدة"، ودعمها لنشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف ومملكة البحرين الشقيقة مع تمويلٍ وإيواءٍ للمتطرفين المنشقين والساعين إلى ضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج والخليج بأسره، وآخيراً وليس آخر الفضائح، مساندة سلطات الدوحة لميليشيات الحوثي الانقلابية حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر إعلام مستورد ناقم متصهين يسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً وخارجياً. إن أحد أشكال الإصلاح والتهذيب والتأديب كآخر علاج هو قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدان، لاسيما إذا أصبحت السياسات مفضوحة، ساقطة الأقنعة والأهداف، فكان ذلك قرار المملكة حرصاً منها على الشعب القطري الذي هو امتداد طبيعي وأصيل لإخوانه في المملكة والخليج، وجزء من أرومتها، والذي يربطنا به ومازال علاقات عريقة جذورها ضاربة في عروق التاريخ نسباً وعراقةً وتأصيلاً تاريخياً واجتماعياً وثقافياً، تميز بالتواشجية واحترام وتقدير عاليين، ومنه ستظل المملكة ودول الخليج سنداً للشعب القطري الشقيق وداعمة لأمنه واستقراره بغض النظر عما ترتكبه السلطات في الدوحة من ممارسات متمردة..