الكتابة عن الأيقونات والنماذج والرموز البشرية، القديمة والحديثة، خيار ملهم يستحق المقاربة والتجربة والمغامرة، فتلك الشخصيات الرائعة التي شكلّت مداميك الحضارة الإنسانية، كانت ومازالت مشاعل تنوير ومنارات هداية. وتُفاخر المجتمعات والشعوب والأمم، القديمة والحديثة، بما تملكه من كنوز وثروات وطاقات بشرية على كافة الصعد والمستويات، وتضعها في صدارة قوائم الفخر وتصنع لها التماثيل وتُثبّتها في بوصلة المجد. قبل عدة أيام، وتحديداً في الخامس من رمضان، مرت الذكرى السابعة على رحيل الرمز الوطني الكبير غازي القصيبي، رجل الدولة والعلم والفكر والأدب والشعر، والذي شغل المشهد الوطني قرابة نصف القرن بكل ألق وفخر. والاقتراب من هذا "الاستثناء"، أشبه بمحاولة يائسة لعد النجوم في سماء صافية، ولكنها على كل حال تجربة ثرية تُحرّض على سبر أغوار/أعماق هذه الشخصية الاستثنائية المتعددة المواهب والمشارب والإنجازات. تجربة تستحق المغامرة في حياة هذا "الإداري الكبير" الذي كان ومازال يُشع قيمة ودهشة. غازي القصيبي، في ذكراه العاطرة التي تفوح منها رائحة التحدي والنبوغ والفروسية، مازال يُشكّل صدمة قوية تعشق الحضور، بل وصرخة مدّوية في وجه الغياب. وهنا، لابد من الإشادة بالبرنامجين الرائعين: "من الصفر" للمبدع مفيد النويصر، و"الراحل" للرائع محمد الخميسي، فقد قدما سيرة وحياة وإنجاز هذا الرمز الوطني الكبير بشكل يدعو للفخر والإعجاب. أعرف أن الحديث عن هذا "الغازي النبيل" يحتاج للكثير من المقالات والدراسات والبرامج والأفلام، فهو شخصية محورية لا نظير لها، صاغت مشاعرنا ووجداننا وشكّلت ذائقتنا وفكرنا وحررت شكوكنا وهواجسنا، ولكن محاولة الاقتراب من هذه الأيقونة المشعة، شرف يسعى إليه كل عشاق الزمن الجميل الذي صنعه غازي القصيبي ورفاقه العظام. والكتابة عن هذا الرمز الوطني الملهم، تقودنا إلى قضية غاية في الأهمية، تستحق الالتفات والاهتمام وهي ظاهرة "غياب الضوء" عن سيرة وتاريخ ومنجزات العظام الذين صنعوا الوطن ونسجوا حكايته الرائعة. سياسيون ورجال دولة واقتصاديون ومفكرون ومثقفون وأدباء وشعراء وفنانون ورياضيون، بنوا اللبنة الأولى في كيان هذا الوطن الجميل. سلسلة مجد لا تنتهي من الأيقونات والرموز الوطنية: محمد سرور صبان وسالم بن محفوظ ومحمد طاهر الدباغ ومحمد عبده يماني وجميل الجشي وطاهر زمخشري وأحمد عبدالغفور عطار وطارق عبدالحكيم ومحمد السليم وعفت الثنيان وعبدالرحمن بن سعيد والكثير الكثير غيرهم. لماذا لا نجد هؤلاء الأوائل في مناهجنا التعليمية؟، ولماذا لا تُرصّع أسماؤهم على المراكز والمؤسسات والمحافل الوطنية؟، ولماذا يتجاهلهم الإعلام بمختلف أشكاله ومستوياته؟، ولماذا لا توجد جوائز ومسابقات مرموقة تحمل أسماءهم؟. كم نحن بحاجة ملحة لوجود قوائم فخر وطنية تضم كل من ضحى وأخلص وأنجز لمجد هذا الوطن. قوائم وطنية، تُعلّق كقلائد فخر على صدر الوطن.