الشيخ محمد العلي السويلم سيدٌ نقش تاريخه بأعماله الجليلة، سطَّر سيرته بمداد الأفعال لا الأقوال، لم يكن ما فعله يصعب على كثيرين بيد أنه كان من أهل المبادرات الأولى والمتنوعة فبزَّ أبناء مهنته، لم يكن يرسم لنفسه لوحة أسطورية مبهرة إنما كان يتهادى للعمل الصالح بعفويته المبهرة، آثاره مكتوبة في بلادي وعلى ثراها يمد الطرق ويصل الخير ويقف مع المحتاج ويسعى للصالح وأينما أقلِّب طرفي أجد يداً له هنا وهناك. مابنيت حرفا ولا رَكّبتُ لفظاً في مقالي على شيء سمعته أو نقل لي. بل أنا من الشاهدين على أعماله الجليلة وأجد واجب الأمانة يفرض أداء الشهادة ونقلها كما هي. وهي الشهادة التي سنسأل عنها أمام الله عز وجل. هذا الرجل العظيم كان مؤسسة خيرية لم تشح يوماً عن الإنفاق، وكان له إسهامات مشهودة وأفعال محمودة تجبر كل منصف على ذكر حقيقته الرائعة ووفائه الجميل، لقد طوى بمشاركاته سني العطاء ثم نشرها ممتدة ليحفل بها الناس ولتكون بصماتٍ باقية على مر الأجيال، ومن توفيق الله لهذه الشخصية الملفتة أن سار بنوه معه على الطريق يعينونه ويشدون عضده ثم ورثوا هذا الحمل الثقيل من بعده، وما ذاك إلا أنهم شربوا من مشربه العذب، واستظلوا في كنفه الرحيم، فأضحى عمل الأب شراكة مع بنيه مشهداً يأسر كل ذي غِنى ويُسْر، أخشى أن أختزل جوانب من إشراقات هذا الرجل المبارك رحمه الله ، وأجدني أمام سجل لا أدري من أين ألتقط لكم مواضعه الموصولة بالبر والبذل والعطاء وسماحة النفس وشهامة القيم وعلو الكعب في الكرم. وقد قيل: ليس الخبر كالمعاينة، فالق طرفك إن شئت في مشاركاته المجتمعية وارم بصرك في كل مؤسسة خيرية، حتماً ستجد مصداق ما ذكرت ماثلاً أمامك، شأنه في ذلك كما قال الأول: إذا كان بعض المال ربا لأهله فإني بحمد الله مالي معبّدُ إن الشيخ محمد العلي السويلم رحمه الله حياةٌ تحيى بها نفوس المتكاسلين عن دروب الخير ومسالك المجد. إنها شخصية تمثلت المعاني النبيلة والمثل الكريمة وسارت في دروب المشاق الصعبة لتعطي أنموذجاً فريداً يغري أهل العطاء على الإقدام ويستحث الهمم على الإصرار لم يكن رحمه الله في العطاء وليد هذا الزمان ولذا لم يرث أولاده هذه الخصلة عن كلالة، لقد كانت يد الشيخ الكريم العليا باذلة من تليد الزمان وطريفه، ولا غرو أن تنشأ مؤسسته الخيرية على إرثٍ من المعروف معروف. إن هذا الرجل بجميل الأفعال كان يضرب أروع الأمثال في جميع الأحوال. إنه علَمٌ من أعلام الخير ورجلٌ من رجال المرحلة التنموية في بلادي بمبادراته الرائعة في شتى المجالات. لقد كان يحمل المسؤولية الاجتماعية على عاتقه دون منٍ وطلب محمدة؛ إذ كان يستشعر أنه واجبٌ أداؤه فرضٌ لا يستطيع إسقاطه، قد أعجز أن أستطرد في هذا الحديث لا عجزاً عن وجدان ما أكتبه، كلا... فالأفكار تنهال على ذهني وتتساقط في دواخلي كتساقط المطر الغزير فأبتهج بها بيد أني لا أملك لها حروفاً تفي ومعاني تكفي، لقد كان رحمه الله تعالى مع ما ذكرت آنفاً يحمل صفة التواضع وكانت تحمله بشرف، وكل من خالطه أو شافهه أو رآه يدرك هذا الأمر، فلم يكن يركب مركب التواضع بكلفة أو تمثيل، بل كانت له سمة بارزة لصيقة بشخصيته لا تنفك عنه فهي جبلة وطبيعة غفر الله له وإن يكن من نقطة في نهاية السطر فهي تسجَّل لأبنائه وبناته البررة الذين واصلوا مع الأب المربي رحمه الله هذا النهج وما بَدَّلوا أو غيروا مما كان عليه أبوهم، وقد دونوا في سجل الوفاء لأبيهم ما طمأن النفوس بأن في الأبناء امتداد الآباء، وأن بذراً وزرعاً اعتنى به الشيخ غفر الله له سيبقى نامياً في عقبه المبارك، وذاك من توفيق الله ومنته لهذا الشيخ الجليل، وإن المرء ليدرك بنيته ما لا يدركه بعمله.. فاللهم اغفر للشيخ محمد العلي السويلم واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، واحشره في زمرة الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم بارك في عقبه وآله واجعلهم مباركين أينما كانوا.