وضعت على مقالي يوم أمس الأول عنوان العود الأبدي. نسبت العبارة للكاتب التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا، الصح أن هذه العبارة تعود إلى الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه، غلطة لا قيمة لها في موضوعي الذي طرحته في مقالي، كلامي سار في طريقه الصحيحة، بيد أن قيمة هذه الغلطة قد تظهر في نتائجها الجانبية المحتملة، احتمال يكاد يضمحل إلى واحد من عشرة الآلاف، كل من يترصد لي ويريد الإيقاع بي لا علاقة له بنيتشه ولا كونديرا ولا علاقة له بالثقافة التي انتجتها البشرية في الثلاث مئة سنة السابقة على ساعتنا هذه، لكن الحذر واجب، يقول المصريون من اتلسع بالشوربة ينفخ في الزبادي. صادفت هذه العبارة قبل أكثر من عشرين سنة، ذكرها الكاتب التشيكي الفرنسي ميلان كونديرا في حوار كنت اشتغل على ترجمته، كان همي أثناء عملية الترجمة البعد الروائي وتجربة الكاتب أثناء العمل ولا شيء آخر. تبين لي من البحث مؤخرا أن القضية ليست مجرد تعبير أدبي ولا حتى مسألة فلسفية يمكن تجاوزها، عبارة العود الأبدي مشحونة بفكرة خطيرة، تأخذ خطورتها الأعمق من أنها تتناقض مع فلسفة نيتشه الأساسية، كيف لفيلسوف مادي أن يطرح تصورا ميتافيزيقيا، تعريفها كما يقول الباحث: (الإقرار أن هذا الكون سيتكرر مرات لا نهائية بحيث أن جميع الأحداث ستقع مرارا وتكرارا بشخوصها وأمكنتها ويصبح البشر أسرى بيد دائرة الزمن الأزلية؟). لا مانع لدي أن أتكرر في المستقبل إلى ما لا نهاية لكن المصيبة أن هؤلاء الذين يهاجمونني سيتكررون معي، ثمة من يقول إن التكرار الذي يعنيه نيتشه في نظريته هذه ليس تكرارا للأصل وإنما للشبيه، إذا استقام فهمي فهذا يعني أن واحدا يشبهني سيأتي يوما ويغيب ثم يأتي واحد آخر يشبه الذي يشبهني وهكذا في دورة لا نهائية، على هذه الحال سوف تختفي ملامحي عن العاشر من أشباهي ويختفي معها فكري وفلسفتي وهذا بالتأكيد سوف ينطبق على أعدائي في التوتر، يطرأ على بالي سؤال لا يمكن أن يجيب عليه حتى نيتشه بعظمة قدره، طالما أن التغير (العود الأبدي) يؤكد على الشبيه لا الأصل: هل أشباه الداعشيين الذين حارب أسلافهم الفنون والحضارة وحقوق المرأة والسينما سيتخلون عن هذه الداعشية المريعة بعد مئة ألف سنة، مليون سنة.. على كل حال ألزم ما علي الآن أن يصحح القارئ المعلومة الخاطئة التي أوردتها في مقالي يوم أمس الأول ولنترك المستقبل لأهله.