إن الباحث المنصف في مجال الإرهاب من زاوية "الفعل الإعلامي"، وهو آلية مفصلية، يجب أن يتوقف ملياً عند التطور، بل التحول الذي حدث في سباق تجيير الإعلام لصالح الإرهاب أو ضده، والدراسة الموضوعية التي تعالج هذا التحول لابد أن تتناول "عملية حي الياسمين" بوصفها نموذجاً يعكس كيف أن "إعلام المجتمع" قد تقدم خطوات على نمط دعايات وإعلام الإرهابيين. فالمتابعة الواسعة التي حظيت بها "عملية حي الياسمين" في العاصمة الرياض، من قبل شرائح المجتمع السعودي، والردود التي أغرق بها المواطنون والمقيمون وسائط التواصل الاجتماعي، وهي تنقل الحدث البطولي لحظة بلحظة، لا يعكسان فقط مدى المساندة والتأييد والدعوات التي يحيطها بها الشعب السعودي قواته الباسلة، التي تقف بالمرصاد للإرهاب، وتحمي الوطن من شرورالفئة الضالة المارقة الباغية، بل ذلك النشاط الإعلامي النوعي يكشف حقيقة أن المجتمع السعودي، مثله مثل قواته، يقهر الإرهابيين، ويأخذ بزمام المبادرة. المشهد الإعلامي الداعم لرجال الأمن، الذي كشفته "عملية الياسمين"، يؤكد أن السعوديين قد نجحوا بامتياز في كبح قدرات الإرهابيين في توظيف وسائط التواصل الاجتماعي، واستغلالها في عملياتهم الإجرامية. فلطالما انتشرت أحاديث عن "القدرات الفائقة" للإرهابيين في التسلل إلى المجتمع عبر تويتر وفيس بوك، وقنوات الإعلام الجديد الأخرى، واتخاذهم الإعلام الإلكتروني منصات لإيصال رسائلهم الملغومة إلى من يجعلونهم "حصان طراودة" ، لتخرج منه جرائمهم. ولكن السعوديين أحبطوا "التميز" الذي لعب عليه مصممو العمليات الإرهابية في الخارج، وروجوا له، حتى اقتنع بعض الضعفاء بأن إعلام الإرهاب لا يقهر، غير أن المبادرة في "إعلام العنكبوتية" ووسائط التواصل الاجتماعي أصبحت سعودية، وتقهقر الإرهابيون عن هذا الميدان. ومثلما نجحت قوات الأمن في السيطرة على الفعل الإرهابي، بالمبادرة، والمفاجأة، وتقليص قوائم المطلوبين بإخماد أصواتهم وأنفاسهم ، وبحملهم على العودة إلى الجادة والتصالح مع الوطن والمجتمع، والإعداد لذلك ببرامج المناصحة وإعادة تأهيل المفارقين للفئة المارقة، فإن "إعلام المواطن" قد نجح في الخروج من دائرة المتابعة التعاطفية مع قواته، وحشد الوجدان المجتمعي بالقيم الوطنية المحفزة ضد الإرهاب، إلى دوائر أكثر تقدماً، وأهم هذه الدوائر قدرة المجتمع على زحزحة الإرهابيين من مواقع ظنوا أنهم قد سيطروا عليها تماماً. وعلى الرغم من الإشادة بهذه الخطوة الجسورة التي كسرت شوكة الإرهابيين، وأخمدت زهوهم بالسيطرة على الفضاء الإلكتروني، فإن نشوة الانتصار على الإرهاب، وكذلك الفرح المشروع بتجريد الإرهابيين من أداة مهمة ضلوا يمتلكونها، فإن الفرح يجب أن لا يخرج عن الإطار المعقول، وتكون المتابعة الإعلامية بذكاء حتى لا تصبح المعلومات التي تبث وتنشر ضمن المتابعات والتغطيات هدايا ثمينة للإرهابيين يستغلونها في عمليات إجرامية.