العلاقات الإنسانية من أهم مقومات الحياة ولا يمكن أن يستغني عنها البشر، فالحياة مثل مضمار الفروسية، مليئة بالعقبات يصعب أن يجتازها الإنسان بدون مساعدة أو تعاون من الآخرين. العلاقات الدولية لها نفس الأهمية، فالدول تحتاج إلى بعضها البعض لتتجاوز العقبات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو تقنية أو علمية، لكي تستمر دورة الحياة. ولذلك تجد هناك تخصصات كثيرة يتفوق بعض الناس ببعضها ويتميز آخرون بالبعض الآخر، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يستغنى فريق عن الآخر. فالإنسان لا يستطيع الحياة بعزلة عن الآخرين، وكذلك الدول تحتاج التعاون فيما بينها وخير مثال على هذا التعاون، هو ما يحدث حاليا بين المملكة العربية السعودية وبريطانيا. وكما أننا نؤمن بأهمية التعاون بين الأشخاص والدول، فنحن أيضا نؤمن بحتمية التغيير. فالتغيير يحدث بسبب تعاقب الأجيال، وبسبب التقدم التقني وبسبب تغيير المناخ وبسبب الاكتشافات العلمية. فبريطانيا التي كانت عضوا بارزا و مهماً في الاتحاد الأوروبي هي الآن في طريقها للخروج من هذا الاتحاد، ونجد أيضا أن المملكة العربية التي تعتمد بشكل أساسي على غزارة احتياطاتها النفطية هي أيضا في طريقها إلى الاستغناء عن النفط وتنويع مصادر دخلها. مؤسسة مسك الخيرية معنية بهذا التغيير، وخاصة فيما يتعلق بالتقدم التقني والانطلاق نحو مستقبل تقني مستغلة في ذلك طاقة شبابها وشغفهم بالتقنية الحديثة. والمؤسسة معنية أيضا بالاستثمار في التعليم والتدريب والبحث العلمي وريادة الأعمال. ومن أهم ما تقوم به مؤسسة مسك حاليا هو التحضير لما يعرف "بالهاكاثون" وهي حملة تهدف إلى تنمية القدرات التقنية لدى الشباب وذلك لاستخدام التقنية في تطويع العقبات الطبية. وكي نعطي مثالا على ذلك من الواقع، فإن بعض العمليات الطبية التي كانت في الماضي تتطلب تدخلا جراحيا تتم الان بواسطة المناظير وبدون الحاجة إلى تدخل جراحي. وأنه لمن دواعي سروري أن أعلن أن مؤسسة مسك قد اختارت بريطانيا لتكون الشريك الرئيسي في هذه الحملة، التي هي أيضا جزء من أهداف رؤية الأمير محمد بن سلمان للتحول الاقتصادي. هذه الحملة التي ستقام من 25- 27 نوفمبر هي الأولى من نوعها بين بلدين؛ حيث يقوم عدد من الشباب والشابات في كل من بريطانيا والمملكة العربية السعودية من الذين لديهم مهارات تقنية بالاتصال المباشر عن طريق الأقمار الصناعية لمدة 48 ساعة تحت إشراف خبراء في التقنية؛ حيث يطرحون أفكارهم التقنية خلال هذا الفترة من أجل التوصل إلى حلول تقنية للمشاكل الطبية. في نهاية هذه الفترة ستعرض الفرق المشاركة أفكارهم التقنية على فريق من الخبراء السعوديين والبريطانيين بالاشتراك مع عدد من المستثمرين الدوليين. والفريق الفائز سيحوز على جائزة مقدارها 20 ألف دولار أميركي ودعم من المستثمرين لتسويق هذا الاختراع. وبما أن هذه الحملة تتم عبر الأقمار الصناعية فهي مفتوحة لكل من لديه مهارات تقنية من الشباب والشابات. وهذه ليست منافسة بين فرق بريطانية وأخرى سعودية، لأنه قد يختار أحد المشاركين من المملكة العربية السعودية بالانضمام إلى المشاركين من بريطانيا والعكس صحيح. فالفريق الفائز قد يكون خليطا من السعوديين والبريطانيين. هذا الحدث الفريد من نوعه يبرهن على أهمية التعاون بين الأفراد والدول، كما يبرهن على أن الاختلافات الثقافية والاجتماعية لا يجب أن تحول دون التواصل بين المجتمعات، كما أنه يظهر وبشكل أساسي أن البعد الجغرافي لا يمكن أن يكون عائقا لتلاقح الأفكار. هذا التعاون هو تعاون على البر ليس فقط من أجل الوطن، ولكن من أجل خدمة البشرية، يقوم به عدد من الشباب والشابات الذين يؤمنون بأهمية التغيير، كما يؤمنون بقدراتهم ويسخرون مهاراتهم التقنية في تطوير اقتصاد بلادهم وفتح مجالات جديدة للعمل وبالتالي خلق وظائف جديدة لا تتطلب رؤوس أموال كبيرة ولا مكاتب فخمة، وربما أيضا لا تحتاج إلى جهاز كومبيوتر، فقد أغنتنا الهواتف الذكية عن كل هذا. *السفير البريطاني لدى الرياض