اشتملت تعليمات اقفال الحسابات للعام المالي الحالي والمنشورة بصحفنا الأسبوع الماضي على تقييد الصرف من الاعتمادات بميزانيات الجهات الحكومية خلال الربع الرابع بان لا يزيد الصرف عن نسبة (25%) من الاعتماد الأصلي للمشاريع وبرامج الصيانة وعن نسبة (10%) من الاعتماد الأصلي لبنود المكافآت والمصاريف للموظفين، وهو ما سيتسبب فعلياً في ترحيل صرف مستحقات المقاولين والموردين والموظفين الى العام القادم على الرغم من توفر الاعتماد المالي بميزانية بعض الجهات وكما حدث في نهاية الميزانية الماضية عندما فوجئ الجميع بصدور مثل تلك التعليمات ورحلت المستحقات للعام الحالي، ليتأخر صرفها ويواجه المقاولون والقطاع الخاص بشكل عام مشكلة نقص السيولة وتأخر صرف الرواتب لموظفيهم والعمالة وسداد مستحقات الموردين ومقاولي الباطن. ومع أهمية الرقابة على صرف الاعتمادات وخصوصا ماقد يحدث من بعض الجهات في اخر العام المالي التي يكون هدفها صرف كامل الاعتماد بغض النظر عن الاحتياج وهي ممارسات قد تحدث في بنود محدودة أوقفت التعليمات الالتزام عليها مثل شراء السيارات والاثاث والتجهيزات وتأجيل التعاقد على المشاريع الجديدة، الا ان شمول التقييد لمستحقات فعلية للمقاولين والموظفين بحجب صرفها يمثل صدمة جديدة غير متوقعة لمن كان ينتظر صدور قرارات التعزيز للاعتماد المالي عدة اشهر لتمنع تلك التعليمات صرفها والتسبب في تأخير جديد لمستحقات بعضها منذ عام تقريبا وبعضها منذ العام الماضي، فمثل تلك التعليمات قد تكون مقبولة في حال ان صرف المستحقات مستمر خلال العام ولا توجد هناك مستحقات قديمة لم تصرف وان التقييد سيقتصر على المستحقات الجديدة التي تنشأ خلال الربع الرابع، فالحقيقة انه بسبب انخفاض أسعار النفط وتأجيل صرف مستخلصات ومطالبات العام الماضي الى الميزانية الحالية، تحملت الاعتمادات الحالية المخفضة صرف جزء من المطالبات القديمة وتوقف الصرف كليا لنفاد الاعتمادات منذ بداية العام على معظم المشاريع وبعض حقوق الموظفين، وهو ما سيتسبب في تراكم تلك المستحقات ويصعب تدبيرها لاحقا وخصوصا ان الاعتماد الأصلي غالبا محدود وتصبح النسبة المحددة للصرف قليلة مقارنة بالمتوقف صرفه! والغريب جدا انه عندما تثمر الجهود المبذولة عدة اشهر لصرف جزء من المستحقات بإصدار قرارات تعزيز ومناقلات لصرفها قبل نهاية العام ومع انتظار اصحابها لاستكمال إجراءات صرفها، تصدر تلك التعليمات المقيدة التي أحبطت من ينتظر صرفها لترتيب اموره المالية وسداد جزء من المطالبات عليه وخصوصا ان البنوك أصبحت تتشدد في التمويل. ومع ان الهدف التقليل قدر الإمكان من المصروفات خلال العام الحالي لتخفيض رقم العجز المتوقع إعلانه بالميزانية، الا ان المحافظة على تدفق السيولة داخل الاقتصاد بصرف مستحقات المقاولين والمواطنين والموظفين يمثل أهمية كبرى لسداد المطالبات التي يعانون منها وكذلك لاستمرار أداء القطاع الخاص الذي يُستهدف بالنمو للقيام بدوره في التنمية، اما تأجيلها للعام القادم فسيساهم في تضخيم حجم المستحقات وصعوبة تدبيرها، ومادام ان الطرح الحالي لإصدار سندات دولية يجد اقبالا من المستثمرين الدوليين، فقد يكون من المناسب رفع قيمة ماسيتم إصداره من السندات لتغطية كافة المستحقات السابقة واقفال ملفها وخصوصا ان المملكة تمتلك احتياطيات كبيرة، ولتبدأ الميزانية الجديدة بدون التزامات قديمة تتسبب في استمرار توقف صرف المستحقات وتدفق السيولة داخل الاقتصاد، وللحد من مشاكل تأخر المقاولين في صرف الرواتب وسداد الحقوق التي ترتبت عليهم بسبب تنفيذهم لمشاريع الدولة.