هبطت تكلفة التأمين على الديون السعودية ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أدنى مستوياتها هذا العام وقفزت أسهم البنوك السعودية أمس الأول في مؤشر على أن إصدارا عملاقا لسندات بقيمة 17.5 مليار دولار خفف إلى حد ما الشكوك في قدرة المملكة على التكيف مع عصر النفط الرخيص. وكانت العملة وسوق الأسهم السعودية قد تعرضتا لضغوط عنيفة هذا العام، إذ راهن المستثمرون على أن تقلص إيرادات النفط قد يزج بالاقتصاد في براثن الكساد وربما يدفع السلطات في نهاية المطاف إلى التخلي عن ربط الريال بالدولار الأميركي. لكن مصرفيين ومتعاملين يقولون إن الطلب الهائل الذي اجتذبه أول إصدار للحكومة السعودية من السندات الدولية الأربعاء الماضي يدفع بعض المضاربين إلى تقليص رهاناتهم أو التخلي عنها كلية. وقال متعامل في أدوات الدين في لندن "كثير من صناديق التحوط سجلت مراهنات مضاربة على السعودية بسبب القضايا المعروفة مثل قصة التخلي عن ربط العملة حيث كان الجميع يعتقدون أن السعوديين سيضطرون لفك ربط عملتهم بالدولار"، ومضى قائلا "من الواضح أنه جرى تفكيك مثل هذه المراكز إلى حد ما الآن لأن الإصدار صادف نجاحا كبيرا". وهبطت تكلفة التأمين على ديون السعودية لخمس سنوات بواقع عشر نقاط لتصل إلى 132 نقطة مما يعني احتمالا بنسبة تسعة في المئة لحدوث تخلف سيادي عن سداد الديون خلال السنوات الخمس المقبلة. وإصدار السندات هذا الأسبوع سيعود بالنفع على المملكة من عدة أوجه، فمن خلال إيجاد مصدر جديد للتدفقات الدولارية، حيث يتوقع المصرفيون إصدارا سياديا آخر العام المقبل ستخفف السندات الضغوط لخفض قيمة الريال، وإصدار هذا الأسبوع قد يكفي وحده تقريبا لسد العجز الحالي في ميزان المعاملات الجارية السعودي العام المقبل الذي يقدره صندوق النقد بنحو 17.7 مليار دولار، وستتيح السندات للسعودية إبطاء وتيرة السحب من أصولها الأجنبية لسداد التزاماتها وهو لب ضغوط المضاربة على الريال. وتقدر مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري أن عملية السحب الشهري ستتباطأ لتصل إلى متوسط ما بين 3 و3.5 مليارات دولار شهريا في عام 2017 مقارنة مع 6.8 مليارات دولار شهريا منذ بداية هذا العام. وبلغ صافي الأصول الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي 554 مليار دولار في أغسطس مما يعني ضمنيا أن من شأن برنامج إصدار ضخم للسندات الأجنبية أن يمنح السعوديين متنفسا لعدة سنوات على الأقل للحد من اعتماد اقتصادهم على صادرات النفط. وربما يمنح إصدار هذا الأسبوع دفعة أيضا للاقتصاد المحلي، فأسعار الفائدة على القروض آخذة في الارتفاع هذا العام مع تقلص السيولة المالية جراء انخفاض تدفقات دولارات النفط وهو أمر يضر بالنمو في القطاع الخاص. ويتوقع المصرفيون إيداع جزء على الأقل من حصيلة الإصدار البالغة 17.5 مليار دولار لدى البنوك المحلية خلال الشهور المقبلة مما يمنحها مجالا أكبر للإقراض وربما يحد بشكل مؤقت من المسار الصاعد لأسعار الفائدة، وقد تنحسر الضغوط على أسعار الفائدة بشكل أكبر مع استغلال الشركات السعودية لإصدار السندات السيادية كمرجع قياسي لتدبير أموال من الخارج بدلا من السوق المحلية، وفي مقابلة تلفزيونية عقب إصدار السندات مباشرة قال وزير المالية د. إبراهيم العساف إن المدفوعات للشركات سترتفع الآن.