الحمد لله رب العالمين، أرسل أفضل الرسل، وأنزل أفضل الكتب، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فعلى الرغم من أن أرض الجزيرة العربية هي مهبط الوحي ومنطلق رسالة الإسلام إلى الناس ومركز الإشعاع الحضاري الإسلامي الأول فقد مرت هذه البلاد المباركة بعد القرون الإسلامية الأولى في حقبة زمنية خيم عليها التفكك والركود، وانتشر فيها الفقر، وساد الجهل، وعادت بعض عادات الجاهلية الأولى إلى سلوك الناس ومعتقداتهم، إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى عودة مصابيح الإسلام على يد طائفة من عباده ممن وصفهم سبحانه بأنهم: {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، وممن بشر بهم سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم بقوله: (لا تزل طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون)، وقوله -عليه الصلاة والسلام -: (إن الله يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد للمسلمين أمر دينهم). فكانت النواة الأولى مع ميلاد الدولة السعودية الأولى في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري؛ إذ تحالف الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - على الإصلاح وتصحيح ما أصاب البلاد والعباد من شر وبعد عن دين الله وعلى إقامة دوله الإسلام وتحكيمهم شريعة الله. واستمر هذا الهدف قائما في الدولة السعودية الثانية ثم الثالثة التي قامت على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. ولقد كانَ للملك عبدالعزيز - يرحمه الله - جهوداً عظيمة في توحيد المملكة العربية السعودية، وانتشال مجتمعها المتعدِّد والمترامي الأطراف مِمَّا كان فيه من انقسامات وخلافات وعداوات وحروب، إلى مجتمعِ الأخوة والتراحم والتعاطف، ولا شكَّ أنَّ أي باحث منصف يحق له أن يعتبر الملك عبدالعزيز ظاهرة تاريخية في العصر الحديث، جديرة بالتأمُّل والدراسة والتحليل في جوانب عِدَّة، ومجالات متنوعة. فحينما قام الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بتوحيد المملكة العربية السعودية وبسط الأمن فيها، ونشر الطمأنينة بين أرجائها، استشعر أنَّ أهمَّ عامل وسبيل يعينه - بعد الله تعالى - على إتمام هذا الأمر، إنَّما هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وإلزام الناس بها في جميع تصرفاتهم وشؤونهم. يقول رحمه الله عندما أراد دخول مكَّة المكرَّمة سنة 1343ه: «إني مسافر إلى مكَّة لا للتسلط عليها؛ بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله.. إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها فلن يكون هناك سلطان إلاَّ للشرع»، ويقول - رحمه الله - في موضعٍ آخر، موصياً العلماء والقضاة بتطبيق الشريعة، وإقامتها وتحكيمها بين الناس: «إنَّ كتاب الله - تعالى - ديننا ومرجعنا، وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلنا، وفيها كل ما نحتاجه من خيرٍ ورشاد، ونحن من جانبنا سنحرص - إن شاء الله - كل الحرص على إقامته، وإتباعه، وتحكيمه في كُلِّ أمر من الأمور»، وقال رحمه الله مخاطباً الناس في المدينةالمنورة: «وإن خطتي التي سرت ولا أزال أسير عليها، هي إقامة الشريعة السمحة». ونتيجةً لتطبيق الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - لأحكام الشريعة الإسلامية والعمل والقضاء بها، ساد الأمن وتوطَّد الأمان بين الناس، وشاعت السكينة والاستقرار، وعرف الناس معنى الحياة الآمنة. ولقد توفرت للملك عبدالعزيز الصفات القيادية العظيمة التي مكنته من حمل مسؤولية تأسيس دولة حديثة كانت المنطقة في أمس الحاجة إليها وأن يوحد بلداناً وقبائل وشعوب، وأن ينشر الأمن والاستقرار في المنطقة وأن يحافظ على الهوية الإسلامية من الأخطار التي كانت تتهددها مهما كانت كبيرة أو صغيرة، وسار الأبناء الملوك من بعده على نهج والدهم تحكيماً لشرع الله وحفظاً لدينه ورعايةً لمصالح العباد ويكفي في هذا المقال الإشارة لبعض الجهود التي اضطلع بها ولاة الأمر في هذه البلاد في مجالين مهمين وهما مجال الدعوة إلى الله تعالى ومجال العناية ببيوت الله في الأرض، فَأَوْلَتْ القرآن الكريم عناية عظيمة، ورعاية كريمة وجهودًا مشكورة، فهو دستورها الخالد الدائم ونبراسها في شؤون الحياة، فلكتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام يكون التحاكم، ومنهما تستمد الأحكام والشرائع، وبهما العمل والتمسك، وعلى ضوئهما تكون الدعوة والإصلاح والتوجيه، وأهم تلك الجهود تدريس القرآن وتعليمه في جميع مراحل التعليم وحتى التعليم الجامعي والعناية بحفظه وتجويده وإنشاء الكليات والأقسام العلمية المتخصصة في ذلك. وشملت هذه الرعاية والعناية تعليم أبناء المملكة والمقيمين بها تلاوة القرآن الكريم وتفسيره وتدبره والحث على حفظه وتجويده وبث روح التنافس بينهم من خلال إقامة المسابقات الدولية والمحلية كمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية ومسابقة الملك سلمان بن عبدالعزيز المحلية التي خرجت لنا الحفاظ والأئمة منذ انطلاقها في عام 1418ه منذ أن كان - حفظه الله - أميراً لمنطقة الرياض، وذلك بالتعاون مع الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وفروعها في جميع مناطق ومحافظات المملكة، وفي المجال الدعوي نرى جهود المملكة بحمد الله ماثلة في خدمة الدعوة الإسلامية عن طريق وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ودورها الرائد في نشر الوسطية الإسلامية والدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة، وإنشاء الأكاديميات والمراكز الإسلامية لنشر الثقافة الإسلامية، وتأصيل العلم الشرعي في الداخل والخارج وما كان لها أن تقوم بهذا الدور لولا الدعم الكبير الذي قدمه ويقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله بنصره وتوفيقه. كما أن للمملكة العربية السعودية دوراً كبيراً في نشر الإسلام في بقاع الأرض من خلال المراكز الإسلامية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم والتي يقدر عددها بأكثر من مئتي وعشرة مراكز إسلامية بالإضافة إلى أكثر من ألف وخمسمائة مسجد في قارات العالم الست، كما أن وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ترسل إلى الخارج عددا كبيرا من الدعاة لنشر الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم. وقد قامت المملكة بدور عظيم مشرف في تنظيم شؤون الحج وتوفير وسائل الراحة والطمأنينة والأمن والسلام، وتوسيع وعمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة على أحدث الطرز، وتقديم جميع ما يحتاج إليه ضيوف الرحمن من المساكن والمآكل والمشارب، والمطلعون على أحوال الحرمين الشريفين والأوضاع الأمنية في الأراضي المقدسة يعترفون بأن حجاج بيت الله الحرام لم يتمتعوا في عصر من العصور بعد القرون الأولى بنعمة الأمن والسلام في بلاد الحرمين الشريفين مثل ما تمتعوا بهما منذ زمن الملك عبد العزيز -رحمه الله تعالى- إلى الآن، وما تقوم به المملكة العربية السعودية للإسلام والمسلمين من خدمات لا تخطئه عين ولا ينكره عقل إلا عين حاقدة وعقل مكابر، ولعل ما تحقق من نجاح عظيم في تنظيم موسم حج هذا العام 1437ه الذي أشاد به المسلمون في كافة أنحاء العالم خير برهان على الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة بقيادة قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله – وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظهم الله . إن للكوادر الوطنية الشابة دور رئيس في إعداد رؤية المملكة 2030م وبرنامج التحول الوطني 2020م بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتعبر هذه الرؤية عن النظرة المستقبلية الواعدة لبناء هذه البلاد المباركة والمحافظة على كافة مقدراتها ومكتسباتها في جميع جوانب الحياة لأنها تدعم الإصلاح والبناء والتنمية التي تعيشها المملكة. وفي النهاية أقول: إن المملكة العربية السعودية قامت بحمل الأمانة التي حمّلها الله تعالى إياها تحقيقاً لعبادة الله وحده، وخدمة للبشرية، وإقراراً للأمن والسلام، وتحقيقاً للعدل والسعادة، وتعميم الخير والرخاء، فهي منذ النشأة الأولى اتجهت إلى خدمة الدين وخدمة المواطنين، والتزمت بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، ولم تبال بعد ذلك بشيء إلا بما يساعد في تحقيق الاتجاه المذكور، وقد أنعم الله تعالى عليها بأن أغناها بفضله، وكتب لها ولرجالها القبول والعزة والكرامة، ولذلك نراها تمضي قدماً في سبيل التمسك والالتزام بالشريعة، وفي تحقيق العدل والسلام لمواطنيها وللمسلمين في العالم بل للإنسانية جمعاء، ثم إنها إذ تتجه هذا الاتجاه تجعل نفسها في موقف الاعتزاز والاعتماد لا موقف الاعتذار والارتياب، وهكذا فهي تجسد ما حكاه القرآن عن العباد الصالحين المنصورين، فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ، وإنني باسم آلاف الأئمة والخطباء والدعاة ومنسوبي المساجد والدعوة والإرشاد وباسمي شخصياً أرفع أكف الضراعة إلى المولى جل وعلا أن يديم على وطننا الغالي المملكة العربية السعودية نعمة الإيمان والأمن والاستقرار، وأن يحفظ لنا والد الجميع وقائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأن يشد عضده بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حفظهم الله والعاملين المخلصين من أبناء هذا الوطن الكبير السامق في قمم المجد والعزة على وجه هذه البسيطة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. * نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد