خمن العدد الذي يناسبك ثم اضربه بالعدد الحالي لسكان العالم.. .. وماذا عن التلفزيونات والسماعات والكمبيوترات والكاميرات التي تمتلئ بها منازلنا؟ خمن العدد بنفس الطريقة ثم اضربه بعدد المنازل والبيوت حول العالم.. بهذه الطريقة ستملك فكرة تقريبية عن حجم النفايات الإلكترونية التي أصبحنا نملكها هذه الأيام.. نفايات من نوع جديد ومتخصص لم يكن معروفاً أو شائعاً حتى ثلاثين عاما مضت.. الصناعات الإلكترونية تطورت بسرعة (وانخفض سعرها بسرعة) لدرجة لم نعد بحاجة لإصلاح الأجهزة القديمة بسبب سهولة الحصول على أجهزة جديدة بسعر مماثل.. فكي لا تتوقف الشركات المنتجة عن العمل تغريك كل عام بموديل جديد أكثر تطوراً وأرخص ثمناً وأسهل تقسيطاً فقط كي لا تفكر أنت بإصلاح القديم أبداً.. ومن الواضح أنها إستراتيجية ناجحة كوننا نشتري اليوم الطابعات والكمبيوترات والكاميرات بسعر التكلفة في حين تحصل الشركات على أرباحها من بيع "الأحبار" و "البرامج" و "شرائح الذاكرة" بأسعار باهظة ومربحة.. حتى حين تقارن الصناعات الإلكترونية بالصناعات الأخرى (كصناعة السيارات مثلاً) تكتشف أنها تتطور بسرعة خارقة في حين تنخفض أسعارها كل عامين.. قبل بضع سنوات كتبت مقالا بدأته بكلمة لمؤسس شركة ميكروسوفت بيل جيتس قال فيها: لو أن صناعة السيارات تطورت بنفس سرعة تطور الكمبيوتر لأصبحت أكثر فعالية بخمسين مرة وأقل ثمناً بمئة وعشرين مرة.. والحقيقة هي أن الصناعات الإلكترونية الذكية لا يدانيها شيء فى سرعة التقدم وتوالي الابتكارات وتطور الأجهزة والبرمجيات. ومقارنة بتقنية الستينات يمكن القول إن أسعار الكمبيوتر انخفضت لأكثر من مئة وثلاثة وثلاثين ألف مرة مقابل تضاعف قدراتها كل سنتين تقريباً (حسب قانون مور الذي يؤكد تضاعف قدرات الشرائح الإلكترونية كل عامين)!! غير أن هذا التطور جعل بيوتنا في المقابل بمثابة مكب للنفايات الإلكترونية بسبب توالي التقنيات والنزعة لامتلاك كل ما هو مطور وجديد. حاول أن تتذكر مجدداً كم هاتف جوال اشتريت وهل كنت تحتاج لتغييرها في كل مرة، أم أنك خضعت مثل ملايين المستهلكين غيرك لحملات تسويقية مدروسة بشكل جيدا.. والغريب أن دول العالم نفسها لم تولِ اهتماماً بهذا النوع من النفايات (مقارنة مثلاً بالنفايات الكيميائية والملوثات البيئية) رغم احتواء الأجهزة الإلكترونية على أكثر من 1000 مادة صناعية وكيميائية ذات مكونات سامة.. لم تفكر حتى الدول المستوردة (كمجتمعاتنا الخليجية) بحجم النزيف الاقتصادي، والورطة التي ستواجهها جراء وفاة هذا الركام الإلكتروني فوق أراضيها.. على أي حال؛ أنا شخصياً لا أجرؤ على مطالبة أحد بالتوقف عن شراء التقنيات الجديدة، ولكنني أرجو منكم فقط التفكير بهذا الأمر وسؤال أنفسكم إن كان "الجهاز الجديد" يملك مزايا جديدة تستحق مثل هذا النزيف المالي والتراكم الإلكتروني..