تشكل أعمال الفنانة التشكيلية أم كلثوم العلوي الحديثة، أسلوبها الخاص، الذي يحمل ببطانته مكنونات وأسرارا في الشكل واللون والتكوين والمعنى، فعندما ترى أعمالها للمرة الأولى تنبهر بألوانها والتكرار المدرج فيها ولربما تعتقد بأنها تناقش موضوعاً معيناً في ظاهرها، لكن عندما تطيل التأمل وتمعن النظر فيها فأنتَ هنا تغوص في أعماق ومساحات وعوالم غير محدودة سواء في الفكر أو المعنى فتتغير نظرتك الأولى لها وتنظر لها بنظرة فلسفية أكثر بعيدة كل البعد عن الشكل الخارجي لهذا الذي لفت انتبهاك في المرة الأولى. أعمالي ذات فلسفة عميقة يستطيع أن يفسرها كل واحد برؤيته الخاصة عن هذه الأعمال والرؤية تحدثنا التشكيلية أم كلثوم قائلة: "هذه الأعمال بالذات هي أعمال مفاهيمية ذات فلسفة عميقة جداً يستطيع أن يفسرها كل واحد برؤيته الخاصة، فمهمة الفنان في العمل الفني تقتضي طرح الفكرة وتجسيدها من حيث الشكل والخط واللون والتكوين وغيرها، أما اكتشاف أسرار العمل الفني وسبر أغواره فهذه مهمة المتلقي". رؤية فنان وتضيف قائلة: "هذه الأعمال ليست مباشرة وليست منقولة من الواقع إنها تجسد رؤية فنان خلق بخيالاته عالماً غير محسوس أو ملموس في كتلته ووزنه ومادته، عالم مجرد من الشكل المادي والفيزيائي المحسوس والملموس لمعطيات الحياة الواقعية. هنا يمكن القول بأن العمل الفني مثل الكنز يطرح فيه الفنان عالما إنسانيا متكاملا، فهو ليس مجرد لوحة لها مقاس محدد أو مجسم له أبعاد محددة، فهو يتعدى ويتجاوز جميع المساحات إلى فراغ ومساحات غير منتهية". الاستقلالية الشخصية تقود إلى الاستقلالية الفنية لا جدوى منها وتعلق التشكيلية أم كلثوم حول سر انبهار الكثير فيما تقدمه من أعمال فنية تشد المشاهد وتجذبه ناحيتها لينظر إليها عدة مرات، وكأن بداخلها قوة جذب شبيهة بالمغناطيس، قائلة: "إن النظر لأي عمل فني هو متعة بحد ذاتها، فلا داعي للانشغال بالأسباب والتحليلات والتفسيرات التي لا جدوى منها". بوح الفنان الملاحظ في أعمال أم كلثوم الاقتراب للجانب الروحاني والهاديء، إلا أن الألوان فيها حدة كاللون الأحمر مثلاً، لماذا هذا التناقض؟. تجيب قائلة: "ربما تشير في ظاهرها إلى الجانب الروحاني، لكن من قال بأن هنالك مراد وهدف معين ووحيد لها؟. حصر العمل الفني تحت مسمى ومعنى معين هو بمثابة تقديم قطعة من الحلوى المكشوفة على طبق، أما بالنسبة لبوح الفنان بأسرار عمله الفني فهذا شيء خياري وهو ليس مرغماً على تقديم تفسير لكل تفصيلة في عمله الفني. جميل أن يشرح الفنان أعماله للجمهور، لكن الاختصار في الشرح يعتبر أفضل بكثير من الاستطالة التي من شأنها أن تضعف من قيمة العمل الفني، فالفن هو كل ما يهزنا من الداخل و ليس بالضرورة كل ما نفهمه". وتضيف: "عندما نأتي لمدلولات الألوان ومعانيها كما وردت في الكتب فربما نجد اللون الأبيض يرمز إلى النقاء والصفاء و اللون الأحمر يرمز إلى الطاقة والحيوية والنشاط والأزرق يرمز إلى الهدوء وغيرها. هذه الدلالات تنطبق فقط على اللون الموجود في العلبة بصورته النقية، لكنها لا تنطبق أبداً على اللون الذي يستخلصة الفنان في بيئته الخاصة وهو نتاج لمزيج من الدرجات اللونية ممزوجة بإحساسه المرهف وبفكره وبروحه وبكيانه الداخلي". ديناميكية حركية التكرار والسيميترية وقوة اللون والاهتمام بالتفاصيل هي من المزايا الواضحة التي تميز أسلوب ام كلثوم وبصمتها الخاصة، والتي تؤكد أبعادها في توظيف وخدمة موضوعها قائلة: "عندما نتكلم عن فنان له أسلوب خاص يميز أعماله عن غيره فنحن هنا نتكلم عن رحلة عمر وجهد وطاقة ووقت وصبر والتزام بذله هذا الفنان حتى وصل في مرحلة معينة إلى أسلوب يخصه، ودراستي لعلم الأحياء الدقيقة وتخصصي في مجال العلوم له أثر كبير في الأسلوب الذي تميزت به أعمالي، فعندما تمعن النظر داخل تفاصيل العمل الواحد كما لو أنك تشاهد الحياة تحت المجهر. التكرار والسيميترية تساعدان في خلق ديناميكية حركية تحرك عين المشاهد وتأخذانه في رحلة إلى داخل وأعماق العمل الفني وما وراء العمل الفني. اتجاهات الحركة التي يخلقها الفنان بواسطة حركة الفرشاة ما هي إلا عبارة عن توجيه لطاقة الفكر والإحساس والروح وجعلها تسير في مسارات معينة". وتضيف: "اتجاه الحركة في التكوين الذي يخلقه الفنان في عمله الفني مهم جداً أن يستوعبه هو وأن لا يتعامل معه بشكل عشوائي. لو تأملنا مثلاً في طبيعة وحركة وشكل الكواكب والأجرام السماوية سنجدها حتما تتخذ مساراً معيناً ولها شكل معين وتتحرك في منحى معين، أي تغير في هذا النظام ربما يؤدي إلى كوارث كونية". شخصية مستقلة أخيراً تجيب أم كلثوم على سؤال يتكرر على أذهان الكثير هو كيف يكون للفنان أسلوب يميزه؟. هل هنالك فترة زمنية معينة عليه أن يقطعها؟. أم أنها حالة إبداعية يصل إليها البعض؟. قائلة: "الفنان الذي يعيش أسلوب حياة نمطيا ومستنسخا من حياة الآخرين وتكون شخصيته أيضاً مكررة ورأيه تابعا لآراء الآخرين فهو حتماً لن يكون له أسلوب مختلف ومميز في الرسم وسيقوم بتكرار أنماط ما يراه من حوله اعتقاداً منه أنهم يمتلكون الأفضل أو خوفاً من السير عكس التيار الذي يعيشه أغلب من حوله والجري خارج إطار الدائرة الذي صنعه له المجتمع أو العادات والتقاليد وغير ذلك، لكن عندما يكون الفنان له شخصية مستقلة وحياة مستقلة ورأي مستقل ورؤية مختلفة فهذا سيساعده حتماً بتكوين هوية مميزة لفنه". أعمال الفنانة مزيج من الدرجات اللونية