من صاحب أصعب مهمة إعلامية خلال الأربع سنوات الماضية؟. قد يكون الرئيس الأمريكي بوش الذي يمر بأوقات متشنجة وهو يجيب على أسئلة الصحفيين التي تهاجمه بسبب الحرب على العراق ولكن بوش الذي يتجنب الكثير من المؤتمرات الصحفية لم يوفق تماما في إجاباته التي بدت متشابهة ومضجرة وهي تتحدث عن حرب نبيلة لإنقاذ العالم من الشر. من هو إذن الذي نجح في مواجهة إعلامية شرسة جدا ؟. إنه عادل الجبير مستشار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. الجبير الذي يتمتع بطلة شبابية لافتة لعب بعد تفجيرات سبتمبر الذي شارك فيها خمسة عشر سعودي دور شخص محاط بالأسود جائعة ومزاجية بحيث لا تركض خلف أي قطعة لحم ترمى لها. وسائل الإعلام الأمريكية التي أنهكت السياسيين والرؤساء والتي تشبه آلة حرب تتميز بدقة وبحث استقصائي وخلفية واسعة وكل هذا يمثل المهنية العالية التي وصلت لها وجعلتها الأولى عالميا. وكان على الجبير أن يواجه وحيدا اسئلة هؤلاء الصحفيين الأشبه بالمقاتلين وهم يريدون إصابة هدف معين (غالبية صوره التي ستعثر عليها في محركات البحث تظهره وهو واقف في منصة هذه المؤتمرات الصحفية الحاشدة) . لا يكفي أن تكون صاحب قضية عادلة حتى تكون فعلا على حق. فمع وجود وسائل الإعلام فإن المظلومين قد يتحولون إلى ظالمين إذا لم يعرفوا كيف يوصلون إلى العالم هذه الفكرة. هناك أصحاب حقوق افتقدوا للياقة والمهارة في الحديث فبدوا للناس فظين وأفقدوا قضاياهم زخم التعاطف الجماهيري. عادل الجبير كان يواجهه موقفاً متداخلاً وشديد التعقيد وكان عليه أن يخرج من كل هذا الفوضى بموقف يقنع ويهدي وسائل الإعلام صعبة الإرضاء. كان ظهر الجبير على الجدار وهو يواجهه صحفيين يتحدثون عن السعوديين في 11 سبتمبر والآخرين المنخرطين في جماعات إرهابية والجماعات الخيرية المشتبه في تمويلها الإرهاب وكل ذلك تبدو نقاطاً قاصمة تحسب للصحافة تضعف من موقف أي شخص ينوي مواجهتها. في هذه المواقف قد تكفي زلة لسان أن تدين الشخص وكان على الجبير ليس فقط أن يخاف أن يزل لسانه ويبحث عن كلمات لا تفسر بأكثر من معنى وإنما عليه أن يبحث عن فكرة قوية وصلبة يمكن أن تهدئ ثورة الصحافة الناقمة. ما كان بعد ذلك هو المحك الذي أثبت أن الجبير رجل يتمتع بعقلية حذقة وحديثة جدا. لم يعمد الجبير إلى الأسلوب الدفاعي الذي تنتهجه الكثير من سياسات الدول العربية إذا ما واجهت أزمة معينة وهذا الأسلوب القديم الذي يعني كل نفيه بالنسبة لوسائل إعلام ومشاهدين أمريكيين يتحلون بروح نقدية تأكيدات مضمرة. الذي تابع مؤتمرات الجبير وهو يستمع بإنصات إلى الأسئلة ويجيب بطريقة واقعية لا تقدم نفسها كأنها خالية من المشاكل ويبتعد عن الحديث العاطفي والإدانات المضادة وتوزيع التهم على الآخرين ويقوم على إبراز الوقائع الثابتة والأكيدة وإضافة لمحة تاريخية على كلماته تشير بشكل فطن جدا إلى الظروف التي تشاركت الكثير من الدول بصناعتها يدرك أن الجبير يقوم بعمل بطولي بواسطة عقله. كان هناك استرايجية واضحة في إجابات الجبير كانت تعتمد على نقطة مصيبة جدا وشديدة الصلابة ظلت مشعة داخل فوضى المواقف المتداخلة وهي: على الرغم من كل ما حدث ويحدث فإن الحكومة السعودية لم تقم بأي دور لدعم الإرهاب. أستطاع الجبير أن ينقل هذه الفكرة إلى وسائل الإعلام بشكل ناصع عندما كان بموقف ضعيف حينما أعلن أن الحكومة السعودية قامت بحل مؤسسة الحرمين الخيرية أو قامت بفصل مئات خطباء المساجد والأئمة ومراجعة مناهج التعليم أو في مواقف قوة عندما قال ردا على الانتقادات التي توجه للمملكة بأنها غير جادة في محاربة الإرهاب بأنه يتحدى أن تثبت الولاياتالمتحدة إدعاءاتها بهذا الشأن أو حتى في أوقات الغضب عندما قال :(اننا نعتقد ان بلادنا تعرضت للإساءة بصورة غير عادلة وإلى الانتقاد الذي لا نستحقه). يشعر الكثير من السعوديين بالراحة والاطمئنان عندما يتحدث الجبير عن قضايا حساسة فهو سيكون بالنسبة لهم قادراً على قول الكلام المناسب الذي يودودن هم قوله. ولكن سيرة الجبير البالغ من العمر 43 عاماً والمولود في مدينة حرمة (180 كيلو شمال الرياض) في ظروف حياتية بدائية وكيف استطاع من خلال الاعتماد على ذهنية عقلانية ومتطورة أن يبدو بهذا المظهر القوي والذكي والجذاب أن يجعل حتى المجتمع الأمريكي يعجب به هو ما يمكن أن تمثل نموذجاً للشباب السعوديين الذين عليهم في المستقبل أن يتحلوا بعقلية منفتحة وخلاقة وتعلم القيم المدنية والإنسانية والتي من خلالها يستطيعون أن يخدموا وطنهم ويساهموا بإزدهاره ويضعوه محل تقدير مثلما حدث مع الجبير الذي منحته مجلة التايم الأمريكية الشهيرة والعريقة في أحد أعدادها لقب رجل الأسبوع. هذا الرجل النحيل اللامع لم يستطع فقط أن يروض الأسود وإنما أجبرها على أن تحبه وتحك فروها بجسده.