«قلة من يقدرون على شراء خروف للتضحية به في العيد» يقول التاجر أبو محمد في مدينة غزة التي احتفل سكانها أمس بعيد الأضحى لأول مرة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. ورغم زوال الاحتلال المباشر، لا يزال أكثر من 70٪ من سكان قطاع غزة يعيشون بأقل من دولارين يومياً للشخص، ويواجهون مشكلات مالية واقتصادية كبيرة، عدا عن المشكلات الاجتماعية والأمنية. ويقول أبو محمد بعدما انتهى من المساومة على بيع أحد خرفانه التي كانت تعلك القش بهدوء في حظيرتها في حي نزلة جباليا شمال مدينة غزة، «يبلغ سعر الخروف حوالي 300 دولار، هذا كثير بالنسبة للعاطلين عن العمل. الناس لا تجد عملاً، ولا تملك المال في غزة». وبعد ذبح الخروف على الرصيف وسقوطه في بقعة من الدم والوحل، يقوم صبي على عربة خشبية حافي القدمين وقد غمرهما الدم، بتقطيع الخروف أمام أعين الشارين الذين سيقدمونه أضحية. وفي الجانب الآخر من الشارع الملطخ أيضاً بالدم، ينتظر زكي داود وصول شارين. ويقول البائع «لم ابع هذا الصباح سوى ثلاثة خرفان». ولدى سؤاله إن كان سعيداً للاحتفال بالعيد بعد رحيل الاحتلال، يرفع حاجبيه ويحرك رأسه نافياً، ثم يقول «أنا سعيد أجل. لكن إسرائيل تغلق قطاع غزة ولا تدع أحداً يخرج. تعبنا من هذا الوضع». ويقول رضوان أبو عمر، وهو يرتدي كفية حمراء وبيضاء على رأسه، «نحتفل بالعيد بوجود الاحتلال أو بدونه. سواء كان هناك سلام أم لا. هذا عيد مبارك». وفي الصباح الباكر، توجه الفلسطينيون إلى المقابر وخصوصاً «مقبرة الشهداء» شمال مدينة غزة حيث دفن «شهداء الانتفاضة» التي انطلقت قبل خمس سنوات. وفي المقبرة دُفن الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة (حماس) الذي اغتالته يد الإجرام الإسرائيلية سنة 2004، وخليفته الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي الذي استشهد في ظروف مماثلة بعد شهر تقريباً. وتجلس عائشة (55 عاماً) على طرف حافة القبر في ثوبها الأسود الطويل تصلي على قبر ابنها (أكرم) الذي استشهد في الثانية والعشرين من عمره في تشرين الثاني (نوفمبر) في عدوان إسرائيلي في وسط قطاع غزة. وتؤكد عائشة أن العيد هذه السنة كئيب ومحزن مثل سماء هذا اليوم الرمادية، وبلا خروف أضحية أيضاً، لأنها عاجزة عن شرائه. وتضيف بحسرة أن ابنها «كان الوحيد الذي يعمل في العائلة. زوجي مريض»، وهي توزع بعض الكعك على الأطفال الذين يتسولون بين القبور.