في نظرة إلى أحداث العراق قبيل الانتخابات، نستطيع أن نقول إن المعادلات والأفكار التي وضعتها الولاياتالمتحدة للعراق قد فشلت في تحقيقها لغاية الآن. فقد فشل الاحتلال في كسب عطف أو تأييد الشعب العراقي فقد خرجت الدعاية الأمريكية بكل قوتها لتشير إلى أن الهدف من العدوان على العراق هو "التخلص من النظام الفاسد وإقامة الديمقراطية" وشهد العراق مذابح بعد أن واجه الاحتلال مقاومة عراقية مسلحة. وسقطت فكرة وجود "أسلحة دمار شامل" في العراق. وفكرة التعاون بين نظام صدام وبين منظمة القاعدة. كما سقطت فكرة مشاركة العراق في تنظيم وتنفيذ أحداث الحادي عشر من أيلول - سبتمبر 2001.وسقطت فكرة تعاون النظام السابق مع منظمات إرهابية. كل هذه الأفكار حاولت أمريكا تحويلها إلى معادلات لتبني عليها رأياً عالمياً يدعمها ولكنها فشلت في ذلك. ومن ثم، جاءت معادلة أن صدام حسين هو الذي يقود المقاومة المسلحة مع بعض من قادة النظام السابق. وألقي القبض على صدام حسين، ومعظم قادة النظام السابق، وخرج جورج بوش بخطاب جامع موجه إلى الشعب العراقي، قائلاً انه في امكان هذا الشعب اليوم، وبعد إلقاء القبض على صدام أن يوحد صفوفه من أجل الديمقراطية والحرية والتقدم. ولكن هذه المعادلة الأمريكية سقطت، بعد أن تبين أن المقاومة العراقية زادت من حدتها في أعقاب أسر صدام، وتبين أن "صدّاماً" لم يكن مشاركاً بصورة فعلية في المقاومة المسلحة. وجاءت المعادلة التي تقول إن نائب صدام، عزت ابراهيم، هو الذي يقود المقاومة ويخطط لها وسقطت هذه المعادلة أيضاً، بعد أن تبين أن عزت ابراهيم مريض بمرض عضال، ولا أحد يدري عما إذا كان حياً أو ميتاً، ولغاية اليوم لم يعثر له على أثر. وتكاثرت المعادلات والأفكار، من دخول مقاتلين عرب وغير عرب إلى أرض العراق لمحاربة الاحتلال. وغطت جرائم سجن "أبوغريب" على معادلة "الحرية والديمقراطية" التي تريد أن تمنحها الولاياتالمتحدة للعراق، والتي تهدف من خلالها إلى بناء عراق نموذجي "للديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط". ولكن الأحداث الجارية في العراق، وبعد المذابح التي قام بها جيش الاحتلال، والمرتزقة من العراقيين، في الفلوجة والموصل، وفي غيرها من المدن والقرى العراقية، أثارت الكثير من التساؤلات حول حقيقة الانتخابات التي يريد الاحتلال إجراءها، وهل هي انتخابات حرة، أم انها تهدف إلى وضع زبانيته في الحكم ليكمل حلقة القبض على عنق العراق. ولا غرابة في أن يحمّل المسؤولون في واشنطن، وزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد، فشل كل هذه المعادلات، والأفكار، لدرجة أن بعض قادة الحزب الجمهوري أخذوا يطالبون بتنحيته عن منصبه. ومعادلة الانتخابات في العراق هدفها شقان: الأول إظهار ان الاحتلال الأمريكي يعمل من أجل "الديمقراطية في العراق" على أساس ان الانتخابات هي الديمقراطية. ولكن المطلعين على الأمور يعرفون أن هذه الانتخابات ستكون مثلها مثل أية انتخابات تقام في ظل الاحتلال، أو تحت أنظمة ديكتاتورية. وإذا كانت واشنطن تفتش حقيقة عن سبيل للخروج من العراق صيانة لما تبقى من ماء وجهها (هذا إذا تبقى أي شيء) فإن الانتخابات العراقية قد تكون أفضل ستار لعورتها التي كشفت حقيقتها في العراق. والشق الثاني هو أن الهدف من هذه الانتخابات ترسيخ أقدام أمريكا في المنطقة (وهو الأرجح) وذلك عن طريق إقامة نظام مزيف، كما هو الحال في أفغانستان، فإن الجيش الأمريكي سيبقى هناك، وبالتالي ستستمر المقاومة العراقية. وقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محقاًعندما قال حول موضوع الانتخابات العراقية، وأمام إياد علاوي أثناء زيارته لموسكو في السابع من كانون الأول - ديسمبر 2004"كيف يمكن ان تجري انتخابات في العراق وهو خاضع تحت الاحتلال؟". فمعادلة الانتخابات العراقية، التي تريدها أمريكا، ستسقط، لأنه لا يوجد قاعدة شعبية تؤيد شرعية الانتخابات، وإذا أفرزت هذه الانتخابات حكومة، فإنها ستبقى موصومة بأنها جاءت تحت قصف الطائرات الأمريكية للمدنيين العراقيين، وأن أعضاءها من خُدام الاحتلال الأمريكي. فالعراقيون ينظرون الآن إلى الوضع، ليس عبر منظار ما قام به النظام السابق، بل عبر ما يحدث لهم الآن، وعبر منظار الاحتلال وجرائمه، وعبر مقارنة بينه وبين النظام السابق، ويتساءلون عن الفرق بينهما. إن عدد القتلى والجرحى من العراقيين، والذين استشهدوا بسبب المذابح التي قام بها جيش الاحتلال الأمريكي، يفوق بكثير عدد القتلى والجرحى الذين قتلوا على أيدي نظام صدام حسين. كما أنه لم يشهد العراق دماراً لمدنه وقراه، إبان وجود النظام السابق، كما يشهده الآن. وتستغل الدعاية الأمريكية الوضع بأن هذا الخراب والدمار جاء بناءً على طلب رسمي تقدمت به "الحكومة العراقية المؤقتة" عن طريق رئيسها إياد علاوي. هذا التحرك جعل العراقيين يفقدون أمنهم والسيطرة على مقدراتهم، وقناعتهم، بأن مثل هذه الانتخابات ستعيد لهم ما فقدوه، ولذا فإنه لا يتوفر للانتخابات العراقية عامل النجاح.