في مقال سابق، تطرقنا إلى موقع النفط في العلاقات الخليجية العربية، بما يمثله من بعد هيكلي على مستوى علاقة أمن الخليج بالأمن القومي العربي، إذ أن الاقتصاديات العربية هي في مجملها اقتصاديات نفطية إما مباشرة أو بالتأثير. وحيث إن النفط العربي يجد ثقله في الخليج، فإن أمن هذا النفط هو في التحليل المباشر أمن العرب. وتدخل في علاقة نفط الخليج بالأمن القومي العربي برامج العون الإنمائي الخليجي للأشقاء العرب والاستثمارات الخليجية في الأقطار العربية، وقضية العمالة العربية في المنطقة الخليجية وتحويلاتها المالية. وتحوي منطقة الخليج 53٪ من الاحتياطي النفطي العالمي المؤكد، أي ما يبلغ 477,626 مليار برميل، وهي تستأثر بذلك بمعظم الاحتياطيات النفطية الموجودة في المنطقة العربية والتي تمثل 61,1٪ من الاحتياطي العالمي المؤكد. كما تتوافر لدى دول الخليج القدرة على إنتاج النفط بتكلفة منخفضة نسبيا قياسا بانتاجه من بحر الشمال أو روسيا أو منطقة بحر قزوين. وفي العام 2004 وصل إجمالي إنتاج الدول الست مجتمعة من النفط الخام 15,5 مليون برميل يومياً في حين كان قد بلغ 13,5 مليون برميل عام 2002. ورغم الأهمية النسبية التي اكتسبها الغاز الطبيعي من بين مصادر الطاقة في دول المنطقة، إلا أن النفط كان له الأثر الأكبر على هياكل الاقتصاديات الخليجية، ومن ثم مدى استقطابها للعمالة العربية، وبعبارة أخرى مدى إسهامها في تحقيق الأمن الاقتصادي- الاجتماعي العربي. وترتبط قضية العمالة العربية بما تعاني منه منطقة الخليج من ندرة في عدد السكان، مقارنة بالكتل الديموغرافية المحيطة بها، فضلاً عن غيرها من الدول العربية،حيث تحوي دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 12,32٪ من إجمالي سكان الوطن العربي البالغ عددهم حوالي 291 مليون نسمة، حسب تقديرات العام2000 ولقد مثل عام 1974 البداية الفعلية للمساعدات الرسمية العربية، حيث بلغت قيمتها 4,1 مليارات دولار، وقد ارتبطت زيادة حجمها بارتفاع المداخيل النفطية للدول الخليجية بصفة خاصة والنفطية بصفة عامة، فمثلاً بلغت القيمة الإجمالية للمعونات العربية 9,6 مليارات دولار عام 1980وهو ذات العام الذي بلغت فيه فوائض موازين العمليات الجارية لدول الأوبك 111 مليار دولار ، دون أن يعني ذلك وجود علاقة خطية بين هذين المتغيرين ، فمثلاً عندما انخفض فائض موازين العمليات الجارية في عام 1981 إلى النصف تقريباً لم تنخفض المعونات كثيراً حيث بلغت قيمتها 8,4 مليارات دولار. ويقدم العون العربي الإنمائي إما عن طريق المساعدات الثنائية أو عن طريق صناديق التمويل القطرية أو الإقليمية، مثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، صندوق أبو ظبي للإنماء الاقتصادي العربي، الصندوق السعودي للتنمية، الصندوق العراقي للتنمية الخارجية، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، البنك الإسلامي للتنمية، صندوق الأوبك للتنمية الدولية، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. وتتسم المساعدات الثنائية بأنها ميسرة من حيث شروطها وتتضمن في كثير من الأحيان المنح والهبات للدول الأقل نمواً والتي تتعرض للكوارث الطبيعية وتلك التي تعاني من عجز، حيث تستقطب هذه الدول حوالي 70٪ من تلك المساعدات، بينما تتسم المساعدات عن طريق صناديق التمويل بتعدد أبعادها، فإلى جانب بعدها المالي من الممكن أن تأخذ شكلاً مؤسسياً أو فنياً. وذلك فضلاً عن انخفاض فوائد هذا النوع من المساعدات وغياب المشروطية مع طول فترة السماح والسداد، الأمر الذي يتيح للدول المستفيدة إمكانية كبيرة لإدارتها واستغلالها بتكلفة اقل وبمرونة اكبر تنسجم وسياساتها وأولوياتها الإنمائية. وإلى جانب هاتين القناتين هناك قناة ثالثة لا تتوافر عنها معلومات دقيقة هي الهيئات الخيرية، وعون المنظمات غير الحكومية التي تقدم المنح والمساعدات. وقد اتجهت معونات الإنماء العربي طوال فترة السبعينيات والثمانينيات نحو مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الإنتاجية، بينما أخذت تهتم منذ التسعينيات بمشروعات التنمية البشرية ومكافحة الفقر والبطالة في إطار تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، وذلك انسجاماً مع تصاعد هذه المشروعات في سلم أولويات الدول المستقبلة للعون. وقد مثلت الدول الخليجية ولا تزال، خاصة السعودية والكويت والإمارات، المصدر الرئيسي للعون العربي، بينما تسهم قطر وعمان وليبيا والجزائر بنسبة أقل. وطوال الفترة الممتدة من عام 1974 وحتى عام 1980 تزايدت المساعدات العربية - العربية الثنائية لتصل إلى 4,6 مليار دولار، قدمتها سبع دول عربية هي الكويت والسعودية والإمارات وقطر والجزائر والعراق وليبيا، وتكلفت الدول الثلاث الأولى مسؤولية تقديم معظم هذه المعونات، ولا تعتبر هذه الدول الثلاث اكبر الدول إسهاما في العون الإنمائي العربي مقارنة بغيرها من الدول العربية فقط، حيث تتفوق على المتبرعين من غير العرب. وقد أخذت قيمة المساعدات العربية في التراجع نتيجة بروز الخلافات السياسية بين الدول المانحة والدول المستفيدة ، وتتبع تطور هذه المساعدات خلال فترتي السبعينيات والثمانينات يوضح الآتي: - كان حظ الدول العربية الفقيرة ضئيلا من إجمالي المساعدات العربية الثنائية. - تضمنت أرقام ما خصص للمساعدات العربية الثنائية المساعدات التي كانت تقدم لدول المواجهة وهي مصر وسوريا والأردن مما أدى إلى زيادة كبيرة في حجمها. - هبطت جملة المساعدات الثنائية عام 1976نتيجة قيام الدول المانحة بتوجيه جزء من مواردها لصندوق الأوبك الذي أنشئ في ذلك العام، وقد استمر ذلك الهبوط إلى أن ارتفعت قيمة المساعدات عام 1979 نتيجة ما حصلت عليه الأردن وسوريا بموجب قرارات قمة بغداد 1979، ولكن ما لبثت أن هبطت مرة أخرى نتيجة هبوط أسعار النفط، حيث انخفض متوسط العون العربي السنوي من حوالي 6,5 مليارات دولار خلال الفترة 80-1984 إلى حوالي 3,1 مليارات دولار خلال 85-1989 - تراوح نصيب كل من السعودية والإمارات والكويت من إجمالي المساعدات العربية خلال هذه الفترة مابين 92٪ عام 1975 و95٪ طوال الثمانينيات. - تتسم هذه المساعدات بالتركز الشديد في توجهها نحو عدد محدود من الدول العربية فضلا عن عدم ثبات تلك الدول، فمثلا في عام 1974 حصلت مصر وسوريا والأردن على 1615 مليون دولار من إجمالي المساعدات العربية أي ما نسبته 76٪ ، في حين اقتسمت إحدى عشرة دولة عربية ما تبقى من المساعدات، كما امتنعت الكويت عام 1986 عن دفع أي مساعدات لسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية وخفضت الدول العربية الأخرى هذه المساعدات. - هناك تدن في حجم المساعدات التي يتم تقديمها عن طريق مؤسسات التمويل خاصة الإقليمية، وذلك لأن الدول المانحة تفضل أسلوب المساعدات الثنائية المباشرة، فمثلاً لا توجه الكويت إلا 25٪ من إجمالي ما تقدمه من مساعدات لتلك المؤسسات وكذلك السعودية التي توجه لها 10٪ فقط. ويرجع هذا التدني الى إلقاء الأطراف المانحة على هذه المؤسسات مسؤولية الاستمرار في التمويل من مواردها الذاتية خاصة المؤسسات التي دفعت رؤوس أموالها بالكامل أو نسبة كبيرة منها، وهذا التدني هو أكثر وضوحاً في الصناديق القطرية مثل الصندوق الكويتي وصندوق أبو ظبي مقارنة بالصناديق الإقليمية، الأمر الذي يعكس استقراراً نسبياً في المساعدات التي تقدمها الأخيرة قد لا يستمر طويلا ، خاصةً مع محدودية مواردها التي من الممكن أن تستنفد في أي لحظة ما لم تتم زيادة رؤوس أموالها المدفوعة أو تقدم موارد جديدة إليها، وحينها سيغدو بقاؤها كمؤسسة مهدداً. وتستثنى من هذا التوجه العام الإمارات التي قدمت معظم معوناتها للدول العربية وغير العربية منذ استقلالها وحتى عام 2004 عن طريق صندوق أبو ظبي، وبلغت قيمة ما قدمته 5,2 مليارات دولار اتجهت نحو 56 دولة. وقد استمر تقديم كل من السعودية والكويت للنصيب الأكبر من المساعدات العربية في التسعينيات، حيث خصصت السعودية والكويت 3,7٪و7,3٪ على التوالي من ناتجهما القومي الإجمالي عام 1990، ورغم انخفاض هذه النسبة عامي 1992و1993نتيجة تحمل هاتين الدولتين النصيب الأكبر من تكلفة حرب الخليج الثانية إلى.08٪ و.66٪ و.54٪ و.04٪على التوالي ، إلا أن هذه النسب مثلت ضعف تلك التي خصصتها دول لجنة مساعدات التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي لم تتعد .33٪ عام 1992، كما بلغ نصيب جانب المنح في القروض التي قدمها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية حوالي42٪ في عام 1992. وقد بلغت قيمة العون الإنمائي العربي في عام 1992 حوالي 1055 مليون دولار كمساعدات إنمائية ميسرة في حين كانت في عام 1991 حوالي 2,7 مليار دولار، وقد شكل العون الإنمائي المقدم من دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 97٪، وكان نصيب السعودية منه نحو 74٪ أي 783 مليون دولار ، في حين كان نصيب الكويت 19٪ أي 202 مليون دولار ، بينما ساهمت الإمارات بنسبة 3٪ أي 34 مليون دولار، وقطر بمليوني دولار، وقدمت كل من ليبيا والجزائر والعراق ما نسبته 3٪ أي ما قيمته 17 و16 و1 مليون دولار على التوالي، وقد اتجه ما قيمته 855 مليون دولار من العون الإنمائي الثنائي إلى أربع دول عربية إلى جانب تركيا، حيث حصلت مصر على حوالي 439 مليون دولار والمغرب على 101 مليون دولار وسوريا على 58 مليون دولار والبحرين 55 مليون دولار. كما منحت السعودية في عام 1993 لبنان 100 مليون دولار لإعادة البناء. ومع مطلع القرن الحادي والعشرين اهتمت الدول المانحة بتوجيه قدر اكبر من مساعداتها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولذا أقرت قمة القاهرة التي عقدت في العام 2000 إنشاء صندوق انتفاضة الأقصى برأسمال مقداره 200 مليون دولار، وصندوق الأقصى برأسمال بلغ 800 مليون دولار يتوليان مهمة تمويل المشاريع الهادفة إلى الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس ولتمكين الاقتصاد الفلسطيني من تطوير قدراته الذاتية وفك ارتباطه بالاقتصاد الإسرائيلي، وقررت قمة بيروت 2002 دعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية بحوالي 330 مليون دولار لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد لفترة مماثلة، وأقرت القمة مساهمة الدول الأعضاء في هذه المشاريع بناء على حصصهم في موازنة الجامعة، وهذا يعني ارتفاع نسبة مساهمة كل من السعودية والكويت صاحبتا النصيب الأكبر من ميزانية الجامعة، إلا أن السعودية قدمت معظم هذا المبلغ إذ وفرت 307 ملايين دولار للسلطة الفلسطينية. وقد بلغ إجمالي المساعدات الإنمائية المقدمة من الدول العربية 1,4 مليار دولار عام 2001، ساهمت السعودية بحوالي 820 مليون دولار أي ما نسبته .4٪ من ناتجها القومي الإجمالي، والكويت بحوالي 225 مليون أي ما نسبته .6٪ من ناتجها القومي، واقتصر إسهام قطر على 129 مليوناً ، وبلغ إجمالي تقديرات المساعدات التي قدمتها الإمارات 208 ملايين أي ما نسبته .3٪ من ناتجها القومي الإجمالي، وقدمت عمان حوالي 24 مليون دولار. وهذا يعني أن متوسط العون الإنمائي العربي قد انخفض في عام 2001 عن ذلك الذي كان في التسعينيات فضلاً عن السبعينيات، حيث بلغ هذا المتوسط خلال الفترة 90-1994 2,7 مليار دولار وانخفض إلى 1,4 مليار دولار تقريباً خلال 95-1999، ثم إلى حوالي 1,2 مليار دولار خلال عامي 2000-2001 وذلك نتيجة تنامي الأعباء المالية للدول المانحة وعدم كفاية العوائد النفطية لتغطية تلك الأعباء الأمر الذي أدى إلى عجز موازين مدفوعات هذه الدول. وبذلك بلغ إجمالي المساعدات العربية من الفترة 70-2001 حوالي 110,5 مليارات دولار قدمت دول مجلس التعاون الخليجي ما قيمته 103 مليارات دولار منها أي ما نسبته 93,6٪ وبلغ إجمالي حجم التزامات العمليات لصناديق التنمية العربية عام 2001 حوالي 4,2 مليارات دولار، أسهم فيها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بنسبة 9,3٪ وصندوق أبو ظبي للتنمية بنسبة 9,2٪ والصندوق السعودي للتنمية بنسبة 7٪، واتجه ما نسبته 29,7٪ منها لقطاع الطاقة( الكهرباء والنفط والغاز) و29,7٪ لقطاع النقل والمواصلات و14٪ لقطاع الصناعة والتعدين، و10,1٪ لقطاع المياه والصرف الصحي، و4,2٪ لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية، و19,1٪ للقطاعات الأخرى التي تشمل التعليم والصحة والإسكان ودعم ميزان المدفوعات. وبعد احتلال العراق، قدمت الدول الخليجية منحا للمساهمة في إعادة الإعمار، ولا زالت تساهم في هذه العملية بصور مختلفة، كما أقدمت دول المنطقة على إلغاء الديون المترتبة على العراق كليا أو جزئيا. وخلال القمة الخليجية التي عقدت في أبوظبي في ديسمبر الماضي، تبلور اتجاه خليجي لتفعيل المساهمة في تطوير البنية التحتية اليمنية بهدف تأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج في الاقتصادات الخليجية، كخطوة جوهرية على طريق ربط اليمن هيكليا بمنظومة مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط لا ينعكس بصورة تلقائية على قضية العون الإنمائي الخليجي للدول العربية، وعلى الرغم من أن الوفرات المتاحة تتجه أساسا لتلبية متطلبات البيئة الداخلية، إلا أن الوضع النفطي الراهن سوف يعكس نفسه في التحليل الأخير إيجابيا على فاعلية العون الإنمائي الخليجي للأشقاء العرب.