عبارة تتردد كثيراً بين الناس فيها تصفية للقلوب قبل الفراق حيث يقولون لبعضهم (الوجه من الوجه أبيض) ويعني ذلك التعبير النهائي الذي يختم به التلاقي ويحل بعده التفرق على خير أن القلوب صافية ووجه كل واحد منهم كذلك ويعبرون بالبياض فهو عكس السواد المرفوض. وكنا نسمع آباءنا بعد الوصول إلى المحطة النهائية للسفر وبعد أن يأخذ كل واحد من المسافرين أغراضه ولوازمه ليغادر السيارة إلى بيته يقولون لبعضهم كلاماً فيه طيب التوديع والتجاوز عن المضايقات التي قد تحصل أثناء اجتماع عدد من المسافرين في سيارة شحن واحدة أو ربما من مناقشات وتصرفات فيها شيء من الضيق وعدم التحمل مما قد يغضب الآخرين. هذه العبارات الوداعية تظهر صفاء القلوب والتجاوز عن الزلات وتمسح ما قد يعلق في النفوس وتجدد أواصر المحبة وتقوي اللحمة، ومن تلك العبارات: (أسترو ما واجهتوا) فيقولون له (ما واجهنا إلا الزين) أو ما واجهنا إلا الطيب منك يا أبا فلان. كما يقولون مثل هذه العبارات بكثرة في حال وجود مناقشات وملازمة قد تطول في مجلس من المجالس أو حتى حصول بعض الاختلاف في الرأي أو حصول سوء الفهم حيث لا يفترق الجميع إلا وقد أزيلت كل الخلافات وأبعدت كل الشوائب التي ربما علقت في النفوس، فيقول أحدهم للآخر (الوجه من الوجه أبيض) وهي عبارة جميلة تعني قبول الطرف الآخر والسماح، ومسح العوالق التي تصيب النفس بالعتمة وتملأ القلوب بالأمل والتفاؤل وترمم ما قد يعتري العلاقات بين الناس من تصدع، وتشكل الحاجز الأمن ضد الفرقة وتحول بين من يريد تفريق المجتمع وغايته فلا يجد مجالاً لذلك. لأن النظافة تسبق الى القلوب وتسرع الى النفوس ولهذا بقي أفراد ذلك الزمان في سعادة حقيقية ليس بالمال فهم فقراء، ولا بالدنيا فهم أزهد ما يكون فيها ولا بالآمال الممدودة نحو الثراء فهم متوجهون نحو الآخرة لكن بقدرتهم على فتح قلوبهم لبعضهم وتصفية نفوسهم واعذروني في نهاية هذا القول ان لم اشبع الموضوع كما يجب واستروا ما واجهتم الوجه من الوجه ابيض.