تتمثل آخر وسيلة من تلك التي توصل إليها دعاة الأطروحات العنصرية ضد المسلمين في فرنسا في تقديم حساء مخلوط بلحم الخنزير إلى المعوزين في فصل الشتاء. وقد لوحظ هذا السلوك الجديد في مدينة نيس الواقعة على الساحل اللازوردي. وأما صاحب هذه الفكرة فهو شخص يسمى«دومينيك ليسكير». وقد دأب مع أصدقائه على إعداد هذه الوجبة وتقديمها إلى المعوزين كل يوم أربعاء في المدينة. وعندما سئل عن إصراره على وضع لحم الخنزير في الحساء قال إن لديه قناعة بأن تسعة وتسعين بالمائة من معوزي المدينة من الذين لامأوى لهم هم من الأوروبيين. وتعتبر المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان في فرنسا أن هذه الحجة مردودة على صاحبها لأسباب كثيرة منها أنه ليس صحيحا أن غالبية المشردين الذين لامأوى لهم في المدينة من الأوروبيين. ثم لو افترضنا جدلا أن الأمر كذلك فإن بين الأوروبيين أشخاصا لاتتلاءم تقاليدهم وشعائر الديانات التي يدينون بها وتناول أطعمة فيها لحم الخنزير وهو أساسا حال المسلمين. وترى هذه الجمعيات أن تصرف الأشخاص الذين يقفون وراء هذه المبادرة إنما يندرج في إطار العداء الذي تكنه الأوساط اليمينية المتطرفة للعرب والمسلمين في فرنسا بشكل عام وفي مدينة نيس بشكل خاص. والحقيقة أن هذه المدينة تعد أحد معاقل اليمين المتطرف. بل إن جان ماري لوبين زعيم حزب «الجبهة الوطنية» التي تقود اليمين المتطرف يحلم منذ عشرات السنين بأن يكون عمدة لهذه المدينة وأن ينطلق منها في يوم من الأيام باتجاه الشمال للوصول إلى مقعد رئاسة الجمهورية الفرنسية. وثمة اليوم قناعة لدى أوساط اليمين المتطرف بأن هذا الحلم ينبغي أن يظل أجيالا بأكملها حتى يتحقق يوما ما. وقد اشتكت الجمعيات والمنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان هذا السلوك إلى بلدية مدينة نيس. ولكن هذه الأخيرة لم تتخذ أي إجراء لوضع حد له بحجة أن القوانين الفرنسية لاتسمح لها بالتداخل لمنع توزيع أطعمة إذا كانت تستجيب لقواعد الأمن الصحي الغذائي. وثمة اليوم رغبة حقيقية لدى هذه الجمعيات باتخاذ مبادرة تهدف إلى تشكيل جمعية خيرية تعنى بتقديم وجبات غذائية طوال فصل الشتاء للمعوزين المشردين في المدينة تكون خالية من لحم الخنزير ويستفيد منها المسلمون وغير المسلمين. ويريد أصحاب هذه الفكرة الاحتذاء في ذلك بمثل جمعية خيرية كانت قد اطلقت منذ سنوات عديدة في العاصمة الفرنسية مبادرة تهدف إلى تقديم الطعام للفقراء طوال شهر رمضان. وقد نجحت هذه التجربة نجاحا كبيرا لأسباب كثيرة منها أن القائمين عليها توصلوا إلى إيجاد صيغة ذكية تسمح بتجاوز الإشكالات المتصلة بالدين مثلا. فهي تسمح حتى للمشردين غير الصائمين بتناول الطعام وقت الإفطار مع الصائمين. وكثيرا ما يأتي هؤلاء إلى الخيم المنصوبة خلال شهر رمضان لإطعام المساكين ومعهم قوارير خمر. فيطلب إليهم أن يتركوها خارج الخيم في أماكن هيئت أساسا لذلك وأن يدخلوا الخيم بدونها. وعندما يخرجون منها بعد تناول الطعام يأخذون قواريرهم وينصرفون.