أثارت صورة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مساء السبت، وهو يطل على ملايين المشاهدين في نشرة الأخبار الرئيسية للتلفزيون الجزائري، لأول مرة بعد دخوله مستشفى فال دوغراس العسكري بفرنسا في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، مشاعر اختلط فيها التعاطف والمؤازرة، مع الحزن والأسى، تجاه رئيس ظل منذ وصوله قصر المرادية العام 1999، في مخيلة الصغير قبل الكبير، تلك الشعلة التي لا ينطفئ وهجها، وذلك اللسان الذي عرف كيف يستقطب بصراحته البعيدة عن الخطابات الجافة والديماغوجية ملايين المواطنين الذين عرف عنهم نفورهم السابق من الخطابات الرسمية والكلمات المدبجة . وبقدر ما ساهمت صورة الرئيس بوتفليقة، وهو يخاطب الجزائريين من إقامته الباريسية التي يخلد فيها للراحة التامة قبيل استئناف نشاطه الرئاسي مثلما نصحه الأطباء، في كسر شوكة الإشاعات المؤذية التي كانت تشوش على التعاطي الرسمي مع مرض الرئيس، من جهات داخلية وخارجية، لم تتأخر الحكومة الجزائرية عن وصفها ب «الاتهامات المجنونة »، كما قطعت دابر السيناريوهات المشبوهة التي كانت تنسج خيوطها في بعض الدواوين السوداء، لرسم مرحلة ما بعد موت بوتفليقة، ساهمت من جهتها الكلمات التي عبر بها بوتفليقة عن مرضه، بالأخص عندما قال مبتسما « هذا قضاء الله ولا حيلة مع الله» وأنه «ليس هناك ما أخفيه عليكم» ساهمت في تنامي مشاعر المواساة والتعاطف الكبير مع الرئيس، هذا فضلا عن ملامح الرجل التي عكست حالة مريض حديث الخروج من غرفة الجراجة، كان ينطق بنوع من الجهد بتلك الكلمات التي ربما حرص هو شخصيا على توجيهها للشعب الجزائري بعدما تناهت لمسامعه كل تلك الإشاعات التي ألبت الرأي العام المحلي على السلطة . وعرفت بعض المدن الجزائرية بالأخص في الغرب، خروج عشرات المواطنين مباشرة بعد بث التلفزيون الجزائري لصور الرئيس وهو يرتشف الشاي رفقة طبيبه مسعود زيتوني، وهو محاط بأعضاء بعثة التلفزيون الجزائري إلى باريس، وقد عبر المواطنون بعفويتهم المعهودة عن فرحتهم بتماثل رئيسهم للشفاء، وعلت الزغاريد سماء هذه المدن، مثلما عمّ الاطمئنان الأوساط الشعبية، التي عانت من سطوة الإشاعات، ولم تعرف طيلة الأربعة أسابيع التي يوجد فيها الرئيس بوتفليقة خارج البلاد، كيف تميز بين الخبر الصحيح والكاذب. وفيما بدأت أمس تعليقات الصحف الجزائرية تتساءل عن تاريخ عودة الرئيس بوتفليقة إلى الوطن، وإشارة بعضها إلى أن هذه العودة قد تكون غدا الاثنين أو بعد ثلاثة أيام على الأكثر، بناء على مصادر على صلة بالموضوع، تتفق تصريحات الرسميين على أن عودة الرئيس بوتفليقة ستكون لا محالة قبل الفاتح من يناير المقبل، وهذا للإشراف شخصيا على التوقيع على قانون الميزانية 2006، مثلما يجري العمل به كل سنة، وتحدثت بعض الصحف عن تعزيزات أمنية مشددة يشهدها كل من مطار الجزائر الدولي ومطار بوفاريك العسكري استعدادا لاستقبال الرئيس بوتفليقة . وفي تصريح هاتفي، أكد عبد العزيز بلخادم، الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة، أن الأهم من موضوع عودة الرئيس بوتفليقة إلى الوطن، هو أن الرجل يتعافى ويتماثل للشفاء، ويقضي ما تبقى من فترة النقاهة التي يراها الأطباء ضرورية لمرحلة ما قبل استئنافه لنشاطاته الرئاسية، قبل أن يشير بشأن سؤالنا حول قراءته لكل تلك الإشاعات التي أحاطت بمرض الرئيس، وتصريحه الحاد لقناة الجزيرة، أن هذه الأخيرة كانت إحدى الجهات التي روجت لتلك الإشاعات ، وحاولت الاصطياد في الماء العكر، واضاف بلخادم أنه كان «مضطرا لقول الحقيقة لهذه القناة، حقيقة أن ما روجته من إشاعات لا يخدم المصداقية التي تدعيها» . وأكد بلخادم بشأن عودة الرئيس إلى الجزائر أنها «مسألة أيام قليلة فقط »، وأن الرجل سيكون هو من يوقع على قانون المالية 2006 المقرر نهاية الشهر الجاري.