في نطاق الرسالة الجديدة التي تبنتها جريدة «الرياض» الغراء بعرض آخر المستجدات لبعض الأمراض التي تصيب الرجال وعرضها علينا لابداء الرأي حولها حتى ولو كانت خارج اختصاصنا الطبي وذلك بناء على رغبة محرري القسم الطبي في الجريدة في طرح أبرز المواضيع التي تخص «صحة الرجل» وكشف الحلول العلاجية والوقائية لبعض الأمراض التي تصيبه. كان من نصيبي أن أنال سؤالاً حول مرض «الزهايمر» الذي يبعد مسافة طويلة عن موقع اختصاصي الطبي وهو تابع للأمراض العصبية التي تقع في حقل طب الجهاز العصبي رغم أن بعض أعراضه البولية والتناسلية قد تقربه نوعاً ما إلى اختصاصي. وتلبية لطلب هؤلاء المحررين الذين أكن لهم كل صداقة وتقدير واحترام وبعد مراجعة أبرز المقالات والاطروحات حول هذا المرض المنتشر عالمياً والذي يصيب الملايين من الرجال الذين تجاوزوا 65 سنة من العمر رضخت لطلب هيئة تحرير القسم الطبي في الجريدة لأقدم تلك المقالة الموجزة حول تلك الحالة الطبية وابداء رأيي الطبي المتواضع حول بعض الابتكارات الحديثة في معالجتها مع اعتذاري لاخصائيي أمراض الجهاز العصبي للتعدي غير المقصود للحدود المهنية المعترف بها. يعتبر مرض «الزهايمر» أبرز سبب حدوث الخرف عند الرجال مع ما يترافقه من فقدان شديد للقدرات الفكرية والاجتماعية الذي يحول دون استطاعة المصاب به القيام بالنشاطات اليومية الروتينية فضلاً عن إصابته بالخرف بسبب تنكس أنسجة الدماغ مما يؤثر على الذاكرة والوظائف العقلية. كما حصل لرئيس الولاياتالمتحدة السابق رولاند ريغان الذي أصيب به وتوفي بسببه، ورغم انه لا يوجد حتى الآن أي علاج شافٍ لتلك الحالة، بإذن الله سبحانه وتعالى، إلا هنالك بعض الأساليب العلاجية الحديثة التي تساعد هؤلاء المرضى المصابين به في تحسين أعراضهم وجودة حياتهم. ينسب هذا المرض إلى طبيب الماني يدعى الدكتور «ألويس الزهايمر» الذي كان أول ما وصف التغييرات النسيجية التي حصلت في دماغ امرأة كانت قد أصيبت بالخرف لعدة سنوات وذلك في سنة 1906م. واكتشف هذا الاخصائي في الأمراض العصبية عند تشريح دماغها لزنات وعقد للخلايا الدماغية منتشرة في مواقع مختلفة من الدماغ التي تدعى الآن لويحات والكتلة المتشابكة التي تحتوي على البروتين النشواني من فئة بيتا الذي يسبب موت العصبونات نتيجة بعض التشوهات الجينية المسؤولة عن إنتاجه. وعلاوة على ذلك يحصل أيضاً تغييرات في وظيفة بروتين tau المسؤول عن الدعم الداخلي للعصبونات الدماغية التي قد تموت بسبب تخاذل وظيفته الأساسية للمحافظة عليها. وأما بالنسبة إلى العامل التي تزيد نسبة الإصابة بهذا المرض الوهني والمستعصي فأبرزها تقدم العمر إذ إنه يصيب عادة الأشخاص الذين تجاوزوا 65 سنة من العمر ونادراً جداً من هم أقل من 40 سنة والوراثة والجنس الانثي وبعض الأمراض كفرط الضغط الدموي والإصابة بارتفاع الكوليسترول في الدم واحتمال الرضخ على الدماغ، كما يحصل لبعض الملاكمين والتغييرات الهرمونية. ومن أبرز أعراضه السريرية فقدان الذاكرة المستمر والمتصاعد خصوصاً بالنسبة إلى حوادث وقعت حديثاً مع تكرار ذات الجمل في الحديث ونسيان المحادثات والمواعيد والأسماء العائلية والأشياء المألوفة فضلاً عن وضع بعض القطع في غير موضعها كالمفاتيح في الثلاجة مثلاً أو جهل فائدة أو غاية استعمال بعض الأدوات المألوفة كالقلم والمفتاح والتلفون وغيرها. وعلاوة على ذلك فإن هؤلاء المرضى يفقدون التفكير النظري الذي يحد من قدرتهم على التعرف على الأرقام والتعامل معها ويجدون صعوبة في ايجاد الكلمة المناسبة في الحديث ويفقدون الادراك حول التوقيت والتاريخ والمكان المتواجدين فيه حتى لو كان مألوفاً لديهم فيضيعون بسهولة ويفشلون في القيام بالأعمال التي تتطلب التخطيط والقرار والتميز وابداء الرأي حتى انهم يجهلون ما عليهم القيام به إذا ما احترق الأكل في الفرن مثلاً وينسون الوسائل والأعمال اليومية الأساسية. ويصابون أيضاً بتغييرات ملحوظة في شخصيتهم تتمثل بالعناد وتغييرات المزاج المفاجئة وعدم الثقة بذويهم والانقطاع الاجتماعي والاكتئاب والقلق والعدوانية والاستياء والتملل. وأما تلك الأعراض فإنها تحصل تدريجياً وتثير انتباه أهل المريض أولاً وعندما تسوء بشدة يقرر الأهل عندئذ استشارة أخصائي الأمراض العصبية لتشخيصها ومعالجتها. وقد تختلف تلك الأعراض ما بين مريض وآخر ورغم أن معدل مدة البقاء على قيد الحياة لهؤلاء المرضى بإذن الله هي في حدود 8 سنوات منذ بداية المرض إلا أن يحصل تفاوتاً ما بين 3 سنوات و20 سنة عند بعض المرضى مع تقدم ملحوظ للمرض إلى الأسواء عبر السنين قبل الوفاة. وأما بالنسبة إلى العلاج فإنه لا توجد حتى الآن أية معالجة تشفي هذا المرض المستعصي ومعظم العقاقير المستعملة كمثبطات كولينيستيراز مثل دونيبيزيل وريفساستغمين وغلانتامين وغيرها تفيد في ابطاء تطور المرض وتقدمه وتحسين الأعراض السريرية والعلامات المرضية فحسب بدون أي تأثير على تقدم المرض. وفي سنة 2003م تم الموافقة من قبل مركز الدواء والتغذية الفيدرالي الأميركي FDA على عقار جديد يدعى «ميمانتين» الذي يستعمل في حالات هذا المرض المتقدمة وقد يفيد في تحسين بعض الأعراض السريرية وخصوصاً القدرة والمهارة على القيام بالنشاطات اليومية الروتينية كارتداء الملابس واستعمال الحمام مثلاً إذ إنه يحمي الخلايا الدماغية من تأثير المادة السامة الغلوتامية. وقد اظهرت بعض الاختبارات الحديثة بعض النجاح باستعمال الغلوبيلين المناعي لتخفيض مادة البروتين النشواني من فئة بيتا المسؤولة عن التشوهات العصبية. وقد نشرت حديثاً مقالة في شبكة «بي بي سي أونلاين» حول علاج أميركي جديد لمرض الزهايمر يساعد على كبح تفاقم أعراض هذا المرض وقد يساعد على تحسين الأداء الذهني، إذا ما نجحت الاختبارات الإضافية حوله عند هؤلاء المرضى. ويرتكز هذا العلاج كما طرحه فريق طبي من جامعة كاليفورنيا في مدينة سان ديجو على الاستعانة بالهندسة الوراثية لإنتاج خلايا ذات خواص جينية معدلة تحقن في الدماغ وتحد من موت الخلايا الدماغية والعصبونات التي تتحكم في وظيفة الجهاز العصبي وتنشط التفاعل والارتباط بين مراكز وخلايا الدماغ. وقد أبرزت الاختبارات الأولية على القردة والفئران نجاح هذا العلاج في حالات فقدان الذاكرة وسيتم استعماله على ثمانية مرضى مصابين بمرض الزهايمر لتحديد فعاليته وسلامته بعد أن تمت الموافقة على إجراء تلك الاختبارات بأساليب الهندسة الوراثية بتعديل خلايا مأخوذة من جلد المرضى وزرع نسخ منها عن طريق تعريضها لنمو سرطاني وحقنها في الدماغ بعد التأكيد عن عدم إصابة المرضى بالسرطان باتخاذ الاحتياطات اللازمة. وهناك ترحيب مشوب بالحذر في استعمال تلك الوسيلة المبتكرة خصوصاً أن الاختبارات السابقة في حقن الدماغ بالخلايا معدلة الجينات باءت بالفشل. وقد شدد الدكتور هارفي مدير الأبحاث بجمعية مكافحة مرض الزهايمر عن ترحيبه بهذا العلاج إلا أنه حذر انه لا يمكن اعتباره شافياً لهذا المرض بإذن الله، إلا أنه قد يساعد على إبطاء تقدمه لدرجة تسمح لبعض المرضى بممارسة حياة طبيعية إذا ما نجحت الأبحاث على اثبات فعاليته وسلامته، وهذا الشعور يشاطره فيه معظم الخبراء الذين ينتظرون بشغف وتفاؤل حذر نتائج تلك الأبحاث.