بعد مسيرة ماراثونية استمرت حوالي 12عاماً حققت المملكة - بحمد الله - هدفها في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية لتأكيد واقعها الاقتصادي والتجاري ودورها الكبير على الساحة الدولية. لقد صنفت المملكة لتحتل الرقم 13كأكبر مصدر عالمي والرقم 26 كأكبر مستورد عالمي ولذلك لم يكن مستساغا ولا مقبولاً أن يكون اقتصاد كبير مثل اقتصاد المملكة وبهذا التصنيف الدولي المرتفع خارج نطاق منظومة منظمة التجارة العالمية وصدق معالي مدير عام المنظمة باسكال لامي pascal lamy عندما وصف لحظة تصديق المجلس العمومي على وثائق انضمام المملكة لهذه المنظمة يوم الجمعة 9/11/1426ه (الموافق 11/11/2005م) بأن هذه المنظمة أصبحت عالمية بانضمام المملكة. وعندما نتحدث عن الزراعة وما يتعلق بها من مواضيع في وثائق الانضمام فيجب أن نعلم أنه نظرا لأهمية وحساسية المواضيع الزراعية لجميع الدول فقد كانت ومنذ البداية أحد المحاور الرئيسة في مفاوضات المملكة مع جميع الدول سواء كانت المفاوضات الثنائية Bilateral أو المفاوضات عديدة الأطراف Blurilateral . هذا ولقد كان من أهم المواضيع الزراعية النفاذ لأسواق السلع الزراعية خاصة وأن من أهم مبادئ منظمة التجارة العالمية إزالة العوائق غير الجمركية وتثبيت رسوم جمركية تضمن انسياب السلع وتحرير الأسواق من أجل زيادة حجم التجارة الدولية. ورغم وجود المصالح المتعارضة حول هذا الموضوع إلا أن المحصلة النهائية قد انتهت بحمد الله إلى تثبيت رسوم جمركية حمائية مناسبة خاصة على السلع الزراعية الحساسة والتي تملك المملكة ميزاً نسبية في إنتاجها ودعمتها الدولة وأنفق القطاع الخاص استثمارات كبيرة فيها مثل القمح والتمور والدواجن وبيض المائدة وبعض الخضروات والفواكة والحليب السائل في عبوات أكبر من واحد لتر. وعلى وجه العموم فإن حوالي 90٪ من اجمالي عدد السلع الزراعية (1320 سلعة زراعية بما فيها الأسماك) لن يتأثر وضعها الحالي حيث الرسوم الجمركية المثبتة عليها Bound Rates التي تم الأتفاق عليها مع الدول المفاوضة أعلى من مستوى الرسوم المطبقة حاليا (Applied Rates). كما تم استثناء 65 سلعة زراعية من أن يوضع عليها رسوم جمركية لأنها سلع محرمة يمنع استيرادها وتضم لحوم الخنزير والمشروبات الكحولية وجميع السلع الغذائية الداخل في تكوينها مشتقات الخنزير أو الكحول. ولاشك أن مثل هذا الوضع الذي تم الوصول إليه سيخدم القطاع الزراعي في المملكة بشكل كبير مؤديا إلى تواصل مسيرة التنمية الزراعية المستدامة في المملكة وتمكينها من المنافسة المريحة مع السلع المستوردة. وفيما يتعلق بأوضاع وسائل الدعم المختلفة للقطاع الزراعي فإن نتائج المفوضات متمثلة في وثيقة الدعم الزراعي المحلي تحمل في طياتها الكثير من وسائل الدعم التي يمكن استمرارها وتوسيع نطاقها كما أن هناك وسائل دعم أخرى غير مباشرة يمكن استغلالها والاستفادة منها. ورغم أن هناك دعماً مباشراً على بعض السلع الزراعية يجب تخفيضه وفق جدول زمني محدد إلا أنه يمكن التعامل الإيجابي معه دون التأثير على القطاع الزراعي خاصة وأن حجم هذا الدعم محدود خاضع للتخفيض بنسبة 1,3٪ سنوياً على مدى عشر سنوات. بالإضافة إلى ذلك تضمن تقرير فريق العمل The working Parte Report أو مايسمى بوثيقة الانضمام العديد من الفقرات ذات العلاقة بالقطاع الزراعي 55 فقرة من اجمالي 316 فقرة إلا أنه في مجملها فقرات تشرح الوضع الزراعي القائم حاليا والإجراءات والانظمة وجميع الالتزامات الواردة فيها عامة تتوافق بشكل كبير مع واقع السياسات والبرامج الحالية ومع توجهات الوزارة في تطوير القطاع الزراعي. ومن هنا فإنني اطمئن جميع المزراعين والمستثمرين في القطاع الزراعي على أن التزامات الانضمام (15 التزام من أصل 59التزام) تأثيرها محدود جداً على الوضع القائم حالياً خاصة على السياسات الزراعية الرئيسية مثل الأقراض الزراعي والأعانات وكذلك برامج وسياسات وزارة الزراعة كما أن الانضمام لن يؤثر على طبيعة عمل المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق كمؤسسة مملوكة للدولة تمارس أعمالها المحددة دون تعريضها لأي إجراءات تؤثر طبيعة أعمالها الرئيسية والشكر مجير في ذلك لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان على جهودة الكبيرة والمضنية في أنهاء الملف الخاص بالمؤسسات المملوكة للدولة ومن ضمنها الصوامع والبنك الزراعي في المملكة كأحد القطاعات الهامة في الاقتصاد السعودي مؤديا دورة الإيجابي في مسيرة التنمية الشاملة والتي ترعاها وتدعمها حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. من جانب آخر فإن البيئة الجديدة التي ستفرضها معطيات الانضمام والأنخراط في التكتلات الاقتصادية الأقليمية والدولية وما ستؤدي إليه من زيادة فتح الأسواق وشدة المنافسة تتطلب تفهم المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي الخاص الوضع الجديد بكامل التزاماته واستثناءاته والتكيف معه وبما يؤدي إلى التعامل الإيجابي معه ولعل من أهم الأمور التي يجب التركيز عليها والتخطيط لها من الآن فصاعدا الاهتمام بزيادة الكفاءة الإنتاجية وتقليل التكاليف ورفع جودة المنتجات والاستفادة من الفرص الجديد للتصدير خاصة لتلك السلع التي تملك المملكة بحمد الله ميزاً نسبية في إنتاجها مثل التمور والألبان والروبيان وبعض الخضروات ومرادفاً لذلك فإن القطاع العام مطالب أيضاً باستمرار مؤازرة ودعم القطاع وفق ما تسمح به انظمة ولوائح واتفاقات المنظمة وهي كثيرة ومتنوعة حتى يستمر القطاع الزراعي في مسيرته التنموية المباركة. ٭ وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية عضو فريق التفاوض السعودي