يعتبر قصر القامة لدى الأطفال أو تأخر النمو الطولي من أكثر الظواهر المرضية شيوعا بين الأطفال وأبلغها تأثيراً في نفسيتهم، إن الطول الطبيعي للطفل يعتمد على عوامل كثيرة متعددة ومتنوعة ومتداخلة منها ما يلعب دورا هاما في نمو الطفل الطولي قبل الولادة واثناء الحمل ومنها ما يكون تأثيره بارزا بعد الولادة واثناء المراحل الأولى من حياة الطفل، إن الكثير ممن يعاني أطفالهم من قصر القامة يتساءلون عن الطول الطبيعي للطفل أو ما هي الزيادة الطولية الطبيعية للطفل وهنا يمكننا القول ان طول الطفل الطبيعي يختلف باختلاف العوامل الوراثية والبيئية والجسدية ولكن بصفة عامة يكون طول الطفل عند الولادة خمسين سنتيمترا ويزيد حوالي الخمسة والعشرين سنتيمترا في السنة الأولى ونصف ذلك اي اثني عشر سنتيمترا في السنة الثانية من العمر ونصف ذلك اي ستة سنتيمترات في السنوات المتلاحقة بعد ذلك حتى فترة البلوغ التي تكون فيها الزيادة الطولية واضحة قبل البلوغ بالنسبة للفتاة وبعد البلوغ بالنسبة للشاب ويتوقف النمو الطولي لدى المرأة عادة بعد فترة الحيض بينما يستمر التزايد الطولي لدى الرجل حتى العام الثامن عشر أو العشرين. أما عن الأسباب المؤدية لقصر القامة لدى الأطفال فيمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين وهي اسباب مرضية (عضوية) وأسباب غير مرضية (غير عضوية) وتشكل الأسباب غير المرضية القسم الأكبر من مسببات قصر القامة، حيث انه غالبا لا يكون وراء تأخر الطفل الطولي سبب عضوي أو مرضي، فقد يكون السبب وراثيا كأن يكون أحد الوالدين أو كليهما قصير القامة فالعوامل الوراثية تلعب دورا هاما في طول الطفل المستقبلي. وتضم الأسباب الأخرى غير المرضية ما يعرف بقصر القامة التكويني بحيث يكون الطفل قصير القامة في مرحلة الطفولة الا انه يبلغ الطول الطبيعي عند البلوغ وتكون المشكلة هنا ذات علاقة بتكوين الجسم وطريقة نموه وليست ذات ارتباط بأمراض عضوية. مرضية أما الأسباب المرضية بالرغم من أنها تشكل القسم الأصغر من أسباب قصر القامة الا أنه ينبغي الكشف المبكر عنها وبالتالي علاجها حتى لا تؤثر سلبا على نمو الطفل ومستقبله وتضم هذه الأسباب ما له علاقة بأمراض الجهاز الهضمي والكبد وسوء التغذية وأمراض الكلى المزمنة وأمراض الجهاز التنفسي والقلب والالتهابات المتكررة واضطرابات الغدد الصماء والهرمونات واختلال الصبغات الوراثية والكرموزومات والمتلازمات كمتلازمة داون وتيرنر ولين العظام وأورام المخ والغدة النخامية وايضا العوامل النفسية. ويعتبر سوء التغذية السبب الأكثر شيوعاً ضمن الأسباب المرضية المسببة لنقص الوزن وتأخر النمو الطولي وخاصة في المناطق النائية والدول الفقيرة التي تفتقد إلى المصادر الغذائية والثروات المادية وقد يعاني كثير من الأطفال من سوء التغذية بالمرغم من توفر الثروات الغذائية والمادية وذلك نتيجة لجوئهم إلى الأغذية الخاوية التي لا تحتوي على العناصر الأساسية اللازمة للنمو وعزوفهم عن الغذاء المتوازن الذي يحوي العناصر الثلاثة الغذائية الهامة وهي الكربوهيدرات والبروتينات والدهون بالاضافة الى المعادن والفيتامينات والتي يؤدي تناولها إلى نتائج إيجابية على صحة الطفل وبالتالي طوله. ويعتقد الكثير خطأ أن السبب الرئيس لقصر القامة هو اضطراب الغدد الصماء واختلال الهرمونات وافرازاتها كنقص هرمون النمو وهرمون الغدة الدرقية أو زيادة افراز الغدة الكظرية وغيرها .وان كانت هذه الامراض من مسببات قصر القامة الا انها تعتبر اسبابا نادرة نوعا ما . ويتابع مستشفى الملك فيصل التخصصي العديد من هؤلاء المرضى وأجريت اكثر من عشرة بحوث في هذا المجال خلال السنوات الماضية لمعرفة الجينات المسببة لهذه الأمراض سواء التي تصيب هرمون النمو نفسه أو مستقبلات هرمون النمو ويطالب الكثير من المرضى المصابين بقصر القامة علاجهم بهرمون النمو وذلك لاعتقادهم بأنه الحل الأمثل لهذه المشكلة وقد حددت الجهات المختصة المجالات التي يستخدم بها هرمون النمو وهي نقص هرمون النمو او الفشل الكلوي او متلازمة تيرنر أو برادر ولا يحوز الافراط في استخدامه لما له من أعراض جانبية لا تحمد عقباها. ومن أسباب قصر القامة غير الملحوظة هي الأسباب ذات العلاقة بالعوامل النفسية فهناك ما يعرف بقصر القامة النفسي كأن يصاب الطفل بنقص في تسارعه الطولي تحت الظروف النفسية السيئة والتي سرعان ما تتلاشى اذا زالت هذه الأسباب. ومن أسباب قصر القامة مشكلة لين العظام، وهي من أكثر الأمراض انتشارا وأكثرها شيوعا في منطقتنا العربية وتتعدد أسباب لين العظام أو ما يعرف بالكساح ومنها ما يكون بسبب نقص فيتامين «د» أو خلل في مستقبلاته أو فقدان عنصر الفوسفات من الكلية وغيرها من الأسباب الوراثية للين العظام ويتابع مستشفى الملك فيصل التخصصي أكثر من عشرين حالة من حالات لين العظام الوراثية التي هي بسبب خلل في مستقبلات فيتامين «د» وهو العدد الأكبر عالميا ولمدة تجاوزت العشرين عاماً. أما عن تشخيص أسباب قصر القامة فيعتمد على أخذ تاريخ مفصل للمشكلة المرضية ويشمل ذلك التعرف اذا ما كانت هناك اعراض تخص الجهاز الهضمي أو التنفسي أو غيره كما يجب ملاحظة وزن الطفل وتغذيته وحساب دقيق لمقدار السعرات الحرارية المتناولة كما أن التشخيص يعتمد على عمل تحليلات خاصة للهرمونات كهرمون النمو أو الغدة الدرقية أو النخامية او الكظرية بالاضافة الى تحليلات عامة تخص أملاح الدم وانزيمات الكبد والفيتامين «د» وغيره. وقد بدأ مستشفى الملك فيصل التخصصي برنامجا يعنى بالكشف المبكر عن قصر القامة ويقوم المشرفون على هذا البرنامج بعمل زيارات ميدانية متكررة ومتعاقبة للمستشفيات المتعاونة مع مستشفى الملك فيصل التخصصي لتوعية الأطباء وأهالي المرضى بهذه المشكلة وكيفية تشخيصها وعلاجها، كما يوفر البرنامج عمل جميع التحليلات المتعلقة بقصر القامة وأخذ العينات اللازمة وارسالها لمختبرات مستشفى التخصصي وأيضا توفير العلاج اللازم. *استشاري الغدد الصماء مستشفى الملك فيصل التخصصي