صبيحة يوم السبت 18/9/1409ه، وأنا متجه للعمل بثانوية بني عدوان فوجئت بعدد هائل من الدوريات الأمنية تحاصر بيتاً من بيوت قريتي (القسمة) وكان سكان البيت من الأشقاء العرب قابلت أحد الزملاء المصريين قرب البيت الذي لا نستطيع الوصول إليه وسألته ما الخبر فقال: البارحة فوجئت في تمام الساعة الثالثة بالباب يطرق ففتحت فإذا ب(رحاب) ابنة صديقنا الذي يسكن في ذلك البيت تبكي وتستغيت وتقول: (إلحق ياعم بابا قتل ماما) قال فخفت لما رأيت الدماء على ملابسها ودعوت الجيران ووصلنا فإذا بالرجل يرتعد في أحد الزوايا والدماء تملأ المكان والزوجة جثة هامدة وقد نحرت كما تنحر البهيمة والطفل الصغير جريح أيضا فأبلغنا الشرطة وحضرت كما ترى، العجيب أن الزوج القاتل مرافق مع زوجته ومن المحافظين على صلاة المسجد والزوجة معلمة في المدرسة ومن أحسن المعلمات سيرة وسلوكاً. شكرته وودعته وقد تمزق قلبي حسرة على ما حدث جلست في حصة الفراغ في مكتبة المدرسة التي اعتدت الجلوس فيها للقراءة وكتبت القصيدة كاملة بالقلم الأحمر ومازالت المسودة معي ودموعي عليها شاهدة منذ ذالك الحين على مرارة الحدث. نشرت القصيدة التي عنونتها ب(أبتاه كيف قتلت أمي؟!!) فأخذت رواجاً كبيراً ووجدت بعض المكتبات هنا تبيع الصورة بعشرة ريالات في حين كنا نصور عشر ورقات بريال. نشرت القصيدة في الصحف المحلية ومن العجيب أن الأستاذ خالد الغامدي الكاتب المعروف رحمه الله كتب لها قراءة في صفحة كاملة في صحيفة المدينة أو البلاد لا أذكر ومما أورده (أن الشاعر رصد لنا التفاصيل وكأنه ينظر للحدث من ثقب الباب) فوضعت عليها الجهات المعنية دائرة حمراء وكدت أكون طرفا في القضية لولا عناية الله. بلغت القصيدة الآفاق ونشرت في معظم الصحف المحلية والعربية وأصبحت تطاردني في كل أمسية أحييها حيت تكون أول طلبات الجمهور إلى يومنا هذا رغم أنني أرى كثيراً منهم يبكي أثناء إلقائها وهي في ديوان صدى الأشجان الصادر عام 1417ه. القصيدة: أَبَتَاه كيف قتلتَ أمي؟!! هذه القصيدة كتبتها على لسان الطفلة المنكوبة (رحاب) التي فتحت عينيها لترى أباها يقتل أمها بالسكين، وأخوها الصغير وأختها الصغيرة من حولها يبكيان أحرّ البكاء وقد طُعنت أختها عندما حاولت التشبث بأمها.. وأخوها الرضيع يبكي على صدر أمه.. ماتت الأم ومات الجنين الذي لم ير النور بعد.. وتشردت الأسرة.. *** أبتاه كيف قتلت أمي كيف أطفأت الضياء؟!! أبتاه كيف زرعت في دربي الشقاء؟!! أبتاه كيف قتلت أغلى الناس من أجل النقود؟!! اغتلتَ كل سعادةٍ لي في الوجود أَو مَا علمت بأن كل حطام دنيانا هباء؟!! أو ما علمت بأن ما في الكون مرجعه الفناء؟ *** وتركتنا لليتم بعدكُما نقاسي كل أنواع العذاب سنعيش نبحث عن بقايا الخبز نطرق كل باب وأُخذتَ بعد جريمةٍ شنعاء للسجن الكئيب وتركتنا للحزن للآهات بعدك والنحيب أبتاه حين أقول (ماما) بعد هذا اليوم من ذا يستجيب..؟!! أبتاه حين أقول (بابا) بعد هذا اليوم من ذا يستجيب..؟!! قد كنتما رمز المحبة والصفاء قد كنتما رمز المودة والوفاء كانت حياتكما بلا حزنٍ ترفرف في خمائلها المحبة والسعادة واليوم يُعلن قلبي المُضني لكل الناس من حولي حِداده من ذا سيوقظني أصلي الفجر بعد وفاة أمي يا أبي؟!! من ذا سيجلو من حنايا القلب غمّي بعد أمي يا أبي؟!! من ذا يمشط شعري المنكوب بعد وفاة أمي يا أبي؟!! من ذا يرتب لي فساتيني الجميلة بعد أمي يا أبي؟!! من ذا يعلمني القراءة والكتابة بعد أمي يااااأبي؟!! *** أبتاه ما ذنبي وما ذنب البراءة حين تقتلنا مع أمي سوياً؟ أبتاه كيف تركت لي عمراً شَقياً؟ أبتاه لن أنسى يديك القاتلة؟ في جيد أمي وهي تصرخ قاااااائلة: خذ ما تريد من الحياة الزائلة (دعني أعيش مع "رحاب") (دعني أعيش مع "رحاب") خذ ما تريد فإنما الدنيا سراب أموال "قارون الشهيرة" لا تساوي دمعةً تنساب من عيني "رحاب" بل كل ما في الكون عندي لا يساوي دمعةً تنساب في خَدَّي "رحاب " دعني أعيش مع رحاب دعني أعيش مع رحاب وقتلتها ظلماً وعدواناً ولم ترأف بحالي سيظل هذا المنظر المشؤوم طول العمر يسكن في خيالي.. أبتاه أين تفر من ربّ السماء؟ ويداك بعد القتل تغمرها الدماء؟ أبتاه ضاعت كل آمالي وأحلامي العظيمة وفتحت عيني كي أرى أقسى جريمة في ليلة (السبت) الأليمة شاهدت أمي وهي تُذبح كالبهيمة.. ما بات للدنيا ولا للعمر عندي أي قيمة أبتاه ليست وحدها أمي قتيلة! بل أنت يا أبتي قتيلٌ وأنا أيضاً قتيلة أبتاه أنت قتلتها وقتلت نفسك أبتاه كيف أطعت قلبك؟ وقتلتني وأخي وأختي والجنين وتركت جرحاً لا تداويه السنين أَوَ لم تفكر في مصيري بعد أمي يا أبي؟!