حين ارتفع صوت السيدة الأمريكية وهي تتخذ مقعدها بجانبي قائلة: «ما هو موضوع المسرحية»؟ كتمت دهشتي لأنني كنت أظن أنها على الأقل سمعت شيئاً عنها وعن موضوعها قبل أن تقف في الطابور الانجليزي المنتظم حتى تجلس في مكانها ليرد عليها شاب بريطاني احتل مقعداً أمامي قائلاً: «إنها مسرحية نازية موسيقية»، لترتفع ضحكات الحاضرين بمن فيهم السيدة التي توسمت فيّ خيراً وهي تعاود السؤال قائلة: «هل هو صادق أم يهزأ بي؟» أومأت لها بالإيجاب، فأفضل جملة يمكنك أن تصف بها مسرحية «المنتجون» هي أنها مسرحية نازية موسيقية، و«ميل بروكس» الذي قرر أن يخرج هذا النص إلى النور على مسارح برودواي والويست إند حتماً سيتفق مع هذا الوصف. وتحكي المسرحية عن عالم الإنتاج المسرحي ذي الإيقاع السريع وعن المنتج المشهور الذي لم تلاق آخر مسرحياته أية نجاح، بل فشلت فشلاً ذريعاً، ومن الصعب أن تتقبل طعم الفشل بعد أن تتعود لذة النجاح التي تشبعك وتغطي على عينيك وتجعلك تتغافل عن أشياء كثيرة أهمها ما يستجد حولك وقد يؤثر عليك وعلى بقائك واستمراريتك. وحين يطرق بابه المحاسب الذي لا يعرف من الدينا سوى الأرقام المليء بالخجل والعُقد، يستسلم له ويعطيه دفاتر حساباته ويسرح بعيداً يفكر بطريقة تعيد له المال ليوقظه من سرحانه صوت المحاسب وهو يقول: «أحسن طريقة لكسب المال في هذا المجال هي أن تنتج مسرحية فاشلة من تمويل الآخرين» يفتح صاحبنا عينيه ويقف متحمساً ليكون بجانب المحاسب ليمطره بالأسئلة التي إجاباتها سهلة، فكل ما يحتاجه منتجنا المنكسر المديين هو أن يأتي بنص فاشل وممثلين أكثر فشلاً وتمويل لإبقاء المسرحية تُعرض لمدة عدة أشهر بحيث تخسر المسرحية ولا يقفل عرضها من الليلة الأولى أو الثانية، ويعلن إفلاسه ويهرب بالأموال التي جمعها من الممولين، لتبدأ رحلة البحث عن النص الفاشل بعد أن يتفق الاثنان على التشارك في هذا المشروع الفاشل، فحلم المحاسب أن يكون منتجاً مسرحياً وحلم المنتج أن يملك المال، وليس هناك نص أكثر فشلاً من نص يمجد النازية في عالم يكرهها ويرفضها وينتفض لذكرها، وحتى تكتمل الخطة تم اختيار مخرج لا علاقة له بالإخراج وممثلين لا يعرفون من التمثيل سوى اسمه، ويبدأ العرض وتأتي المفاجأة، فالعمل الذي يملك كل مقومات الفشل كما يعرفه السوق وكما يجب أن يراه النقاد ثاقبو النظر والذين لا يعجبهم العجب، ينجح ويحوز على إعجاب الحضور والنقاد، وتفشل الخطة.... لتثبت لنا الحكاية أننا لن نعرف أبداً ما سيعجب الجمهور وأن مقولة «الجمهور عاوز كده» ليست بالضرورة أن تكون صحيحة. ارتفعت ضحكات الحضور والمسرحية تشارف على نهايتها، لا أذكر أننا توقفنا عن الضحك أو التصفيق، وفي الاستراحات بين فصل وآخر كانت عبارات الإعجاب تتطاير لتصطدم بأذنك. ساعتان من المتعة الذهنية الكاملة، التي تنسيك كل شيء حولك، نحن هنا لا نتحدث عن عمل فني جاد أو ثوري في فكرته أو أدائه، بل هو عمل ممتع، يخرجك من كل حالاتك الذهنية يجعلك تسترخي وتستمتع بالحوار والقفشات والإيحاءات والإيماءات. في النهاية قد تكون مسرحية تجارية في نظر البعض، قد يكون عملاً صيفياً لاستقطاب السياح الذين يبحثون عن وسيلة لصرف أموالهم أقول قد... لكن في النهاية ليس بالضرورة أن يكون العمل الفني شكسبيرياً ذا لغة معقدة حتى نعجب به، ومن يستمتع بمشاهدة شكسبير قد يستمتع بمشاهدة مسرحية موسيقية ناجحة جداً. المهم أن يكون لديه من سعة الأفق ما يساعده على استيعاب الاثنين، وصدقوني في عقولنا متسع لكل أشكال الفن.