«فن الإسلام في المتوسط: من اسطنبول إلى قرطبة» عنوان كتاب جديد صدر أخيرا عن دار «غروند» للمصور ومؤرخ الفنون هنري ستيرن. يضم الكتاب مجموعة رائعة من الصور للصروح المعروفة التي تعدّ من أشهر معالم العمارة الإسلامية مع نصوص ودراسات حول نشأتها وخصائصها. الكتاب، بهذا المعنى، رحلة في تاريخ العمارة الإسلامية التي شيدت على ضفتي المتوسط خلال فترة زمنية امتدت من القرن الثامن حتى القرن السادس عشر. في البداية يستعرض الكتاب نشأة الفنون الإسلامية التي ارتبطت بانتشار الإسلام على رقعة جغرافية شاسعة امتدت من شبه الجزيرة العربية وحتى الأندلس في اسبانيا. الفصل الأول مخصص للعمارة الأموية التي شهدت بناء أقدم الصروح الإسلامية المعروفة ومنها قبة الصخرة في القدس والجامع الكبير في دمشق. تمّ تشييد قبة الصخرة في عهد الخليفة عبد الملك 685 - 705، وهي بناء مثمّن الشكل ويبلغ ارتفاعه عشرة أمتار وهو مغطى بصفائح من الرخام الأبيض وببلاطات من الخزف الأزرق. يتميز الصرح أيضاً بنوافذه الزجاجية الملونة وقبته الكبيرة المغطاة بصفائح معدنية. وتعتبر قبة الصخرة أول تحفة معمارية في تاريخ الفنون الإسلامية وقد كتب عنها مؤرخ الفنون كريسويل: «لقبة الصخرة أهمية بارزة في العمارة الإسلامية. لقد بهرت ببهائها ورونقها وضخامتها وتناسقها كلّ من حاول دراستها من العلماء والباحثين». أما الجامع الأموي الكبير في دمشق فهو في قلب المدينة القديمة وقد شيد في عهد الخليفة الوليد قرابة العام 705 واستمر العمل فيه ما يقارب عشر سنوات. ويعتمد تصميمه، بصورة عامة، على المخطط العربي للجوامع، فهو يتألف من قسمين أساسيين: الأول مخصص للصلاة ويتألف من قاعة مستطيلة مؤلفة من ثلاثة أروقة تتخللها أعمدة تحمل تيجاناً كورنثية. أما القسم الثاني فيتضمن الصحن المكشوف وتتوسطه بركة ماء. ويشتهر الجامع بزخارفه وبالأخصّ بلوحاته الفسيفسائية الملونة والذهبية. من الفن الأموي في بلاد الشام إلى الفن الأموي في الأندلس، يخصص الكتاب الجديد صفحات بأكملها للحديث عن الجامع الأموي في قرطبة الذي يعدّ تحفة العمارة الأندلسية، وقد استغرق بناؤه أكثر من قرنين وبالتحديد منذ عهد الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل الذي أسس الإمارة الأموية في الأندلس، مروراً بعهد الخلافة مع عبد الرحمن الثالث وابنه الحكم الثاني وحتى سنوات حكم الحاجب المنصور. ويمكن القول إن المراحل الكثيرة التي مرت بها عملية بناء جامع قرطبة تختصر جانباً أساسياً من الحياة السياسية والثقافية للحكم الأموي في الأندلس، كما تعكس المستوى الرفيع الذي وصلت إليه الحضارة العربية والإسلامية في القرن العاشر الميلادي. من الأندلس الأموية إلى القاهرة الفاطمية والمملوكية والتي تحوي مجموعة نادرة من الأبنية من أشهرها تلك التي شيدت في زمن السلطان الناصر بن قلاوون الذي لعب دوراً أساسياً في ازدهار القاهرة لأنه كان مولعا بالبناء. هناك أيضا جامع السلطان حسن، تحفة العمارة المملوكية، وهو من أضخم الأبنية الإسلامية على الإطلاق وقد كتب المقريزي أنه كان يكلف السلطان عشرين ألف درهم يوميا طوال ثلاث سنوات. كتاب «فن الإسلام في المتوسط» يتناول إذاً الإبداعات المعمارية على ضفتي المتوسط، أي أنه لا يتناول الفن الإسلامي في بلاد فارس وآسيا الوسطى والهند، لكنه بالمقابل يكرس قسماً أساسياً من صفحاته للفن الإسلامي في تركيا خلال المرحلة العثمانية وبالتحديد في عاصمتها اسطنبول التي تشهد على الانجازات الفنية المذهلة التي تمكن الفنانون من تحقيقها خلال هذه المرحلة وهي التي أعطت الفنون العثمانية طابعها الخاص والمميز. تعتبر مرحلة حكم السلطان سليمان في القرن السادس عشر العصر الذهبي بالنسبة إلى تلك العمارة ومنها بالأخص تلك التي ارتبطت بالمعماري سنان الذي يعتبره البحاثة الغربيون اليوم من كبار المعماريين الذين عرفهم العالم. ويتوقف الباحث هنري ستيرلين عند تحفة سنان وهي جامع السليمانية الذي باشر العمل به عام 1550 وقد اعتمد فيه نظام القبة المركزية الكبيرة التي تحيط بها أنصاف قباب ومن الخارج تطل علينا أربعة مآذن ترتفع بخفة ورشاقة نحو السماء. بعد وفاة السلطان سليمان، استمر سنان في عمله على الرغم من تقدمه في السن وأنجز في عهد السلطان سليم الثاني قرابة الثلاثين مبنى أهمها جامع السليمية في أدرنة. وقد استطاع أن يحقق فيه، من خلال مجموعة من الحلول الهندسية، مستوى من الإبداع والروعة نافس كنيسة آيا صوفيا البيزنطية التي شكلت دائماً، بالنسبة إليه كمعماري، التحدي الأبرز. أسئلة الإبداع الفني الإبداع الفنّي في الوقت الراهن جزءٌ من أسئلة الثقافة في صورة عامة. السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو التالي: هل لا يزال الفنّ ممكناً؟ هذا السؤال يستتبع أسئلة عدّة منها: ما الموقع الذي تحتلّه الفنون ضمن ثقافة يهيمن عليها، أكثر فأكثر، منطق الربح والمردوديّة المادية؟ هل يستطيع الفنّ أن يغمض عينه عن ثورة العلوم والمعلوماتية والاتصالات الحديثة وعن التطور التقني والتكنولوجي بشكل عامّ؟ سأكتفي بإثارة بعض النقاط التي قد تساهم في بلورة هذا الموضوع وإجلاء بعض جوانبه. وسأكتفي هنا بالتوقّف عند ثلاث مسائل أساسيّة: المسألة الأولى تتعلّق بواقع الإبداع الفنّي داخل الواقع الثقافي العامّ، أي علاقة الفنون بمظاهر الثقافة المختلفة. ولا بدّ من الإشارة، منذ البداية، إلى أنّ الثقافة كما عرفتها الإنسانيّة منذ مئات السنين حتّى الآن، بدأت تخضع لتغيّرات جذريّة في معناها وفي أهدافها وتوجّهاتها. لم يعد ممكناً اليوم تطبيق المعايير الثقافية نفسها التي كانت قائمة حتّى النصف الأول من القرن العشرين أو بعده بقليل. فما كان يصنع مجد الثقافات القديمة، أو بالأحرى التي أصبحت قديمة منذ حين، ومنها الأسطورة والفلسفة والشعر والفنون، أصبح الآن هامشياً ومهمَّشاً وما عاد هو الذي يميّز هذه الحضارة أو تلك. في ما يخصّ العمل الفنّي تحديداً، ثمّة سؤال مطروح حول ما وصلت إليه أوضاع الفنون الحديثة عند نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. هناك سؤال حول الجزء الأكبر من النتاجات الفنية التي تمّ إنجازها في النصف الثاني من القرن الماضي والذي تميّز بانتهاج أساليب واعتماد تقنيات لم تعرفها القرون السالفة. للمرّة الأولى في تاريخ الفنون صار الفنّانون يرسمون بحرية كاملة من دون الخضوع لقواعد وأنظمة جمالية محدّدة كما كانت الحال في الحضارات السابقة. وقد أدّت هذه الحرية إلى انتشار فوضى كبيرة في المشهد الفنّي الحديث. باسم الحداثة سمح بعض الفنانين لأنفسهم باستعمال مواد مثل النفايات وبقايا الأطعمة ومخلّفات المصانع لتشكيل أعمال فنية محكومة سلفاً بالزوال بسبب طبيعة هذه الموادّ ونوعيّتها. المسألة الثانية تكمن في علاقة الفنّ بالمال وما يتبع ذلك من عمليات تسويق واستهلاك. هكذا فإنّ الفنون التشكيلية اليوم تنضمّ إلى المنطق الذي حكم، في العقود الأخيرة، تجارة الأعمال الإبداعية ككلّ، مع اختلاف واحد يتمثّل في طُرُق عمليّة التسليع وقواعدها. هنا أيضاً لا بدّ من الملاحظة إلى أنّ حركة البورصة الفنية التي تتعاطى مع الفنّ بوصفه مادّة استهلاكية والتي لا تنفكّ تدلّل عليه كبِضاعة، خاصّة مع أعمال بعض المعلّمين الكبار من القرون الماضية وبالأخصّ من القرن التاسع عشر، هذه الحركة واكبت مرحلة جديدة من تاريخ الفنّ بدأت بعد الستينات من القرن الماضي ولا نزال نعيشها حتى اليوم. لم يكن الفنّ مرادفاً للمال مثلما هو الآن. لقد بلغت البورصة الفنية أوجها بين 1985 و1990، فبيعت في هذه المرحلة أعمال انطباعية وأخرى حديثة بملايين الدولارات وبلغت المضاربات في هذه البورصة أرقاماً خياليّة. ألم يدفع أحد الصناعيين الأستراليين حوالى سبعين مليون دولار ثمناً للوحة «السوسن» لفان غوغ قبل أن تأخذ طريقها إلى أحد متاحف كاليفورنيا؟ ألم يدفع صناعي آخر من اليابان المبلغ ذاته لحيازة لوحة «أعراس بيارات» لبيكاسو؟ هكذا تحوّلت الأعمال الفنية إلى واحدة من الاستثمارات المهمّة التي يلجأ إليها أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والغاليريهات والمصارف خصوصاً أنّ شراءها معفى من الضرائب، حتى أنّ بعض الأثرياء العرب ممّن لا يعنيهم من الأعمال الفنية إلاّ قيمتها المادية أخذوا يتهافتون على شراء الفنّ وعلى الاستثمار في هذا المجال. إلاّ أنّ هذه الموجة العارمة لم تصمد طويلاً، فالسوق الفنية تراجعت بقوة بعد حرب الخليج، وتوقفت المصارف فجأة عن دعم صالات العرض بعد أن شجّعتها على الاستثمار، وحدث نتيجة ذلك انهيار حادّ في البورصة الفنية مما دفع كبريات الغاليريهات الغربية ومنها غاليري «ماغت» الفرنسية الشهيرة إلى بيع جزء من مخزونها في المزاد العلني، في حين أنّ غاليريهات كبيرة أخرى أعلنت إفلاسها. واكب ذلك سقوط القيمة المادية لأعمال عدد من فناني القرن العشرين وبعضهم من هبطت قيمة أعماله من ستين ألف دولار للعمل الواحد إلى ثلاثة آلاف دولار فقط. أضف إلى ذلك أن حقائق أخرى بدأت تتكشّف حول سرقة الأعمال الفنية أو تزويرها وتفريغ الكثير من المواقع الأثرية ومن متاحف العالم الثالث لا سيّما المتاحف الإفريقية وتهريب الأيقونات الروسية وتبييض الأموال. لقد تزامن الحديث عن السوق الفنية وأزمة الثقة مع محاولات إبداعية ذهبت بعيداً في اللعب في الفن والتلاعب به إلى حد أصبحت بعض الأعمال والتجارب الفنية مَدعاة للهُزء والسخرية. وهنا يطرح السؤال: من أوصل الفن إلى هذه الحالة ومن المسؤول عن التردّي العام في المشهد التشكيلي المعاصر؟ هل هم الفنانون أم النقاد أم الغاليريهات أم المصارف وتجّار الأعمال الفنية أم الجمهور، أم هو الوضع الثقافي العام الآخذ في التردّي أمام هيمنة الابتذال في أكثر من جانب؟ السؤال يذهب أبعد من ذلك ويتناول أيضاً الموقع الذي أفرده الغرب للفنّ منذ قرنين من الزمن، وهو الذي يكشف اليوم عن ضعفه وهشاشته خصوصاً أنّ العالم يشهد تحوّلات كبرى تتغيّر معها النظرة إلى الشؤون السياسية والدينية والجمالية، وعلاقة كلّ مجال من هذه المجالات بالآخر. مجّد الفكر الغربي الحديث الفنّ وفصله عن باقي النشاطات الإنسانية جاعلاً إيّاه منبعاً للحقائق والإبداعات ورمزاً لعالم جديد تتآخى فيه الفروق والأضداد. هكذا ظلّ الفنّ، منذ عصر النهضة الغربية، الشكل الأسمى للحداثة فأودع الآمال الكبيرة. وكان ينظر إليه، كما إلى الشعر والموسيقى، بوصفه ملجأ وخشبة خلاص. ولا يمكن فصل هذه النظرة إلى الفنّ عن تلك التي وصل إليها الغرب بالنسبة إلى الدين، والتي واكبت التطوّر التقني والتكنولوجي. إلاّ أنّ هذه النظرة تلاشت اليوم مع إعادة تقويم دور الفنّ ومكانته في العالم الراهن. ضمن هذا الأفق تعيش الفنون التشكيلية حالياً وضعاً يُعاد معه طرح السؤال حول توجّهات هذه الفنون، حاضراً ومستقبلاً. وما كان يقال همساً في الماضي يتحوّل اليوم إلى حقيقة معلنة تتناوب على فضحها الإصدارات الدورية التي طالما كان هناك من يحاول التعتيم عليها. لعلّ ما طُلب أصلاً من الفنّ يتجاوز ما يستطيع الفنّ أن يتحمّله. هناك تغيير لمعنى الفنّ اليوم، ولم يعد السؤال كيف نميّز بين الفنّان الحقيقي والفنان المشعوذ، وما قيمة «خربشات» هذا الفنان أو ذاك منذ مرسيل دوشان الذي جعل من مبولة عملاً فنياً يُعرض في المتاحف، وبعد أن نما للجوكندا شاربان على يد المحدثين الذين وعوا قبل غيرهم أنّ حداثتهم الجمالية وصلت إلى طريق مسدود. هذا بالنسبة إلى الواقع الفني بشكل عامّ، لكن تنبغي الإشارة إلى أنّ ثمّة اعتبارات أخرى لا يغيب عنها الانتماء السياسي والديني تدخل في حساب التكريس والجوائز، وحتى في التعريف بهذا النتاج أو ذاك ومنحه الفرص اللازمة للانوجاد. وهذا ما يجعل الفنّ الراهن بين حضورين إثنين: حضور فناني العالم الثالث والعالم العربي بالأخص من جهة، وحضور فناني الدول الكبرى من جهة ثانية... هذا بالإضافة إلى غياب الدول العربية عن الساحة الثقافية العالمية، مما يجعل الفنان العربي يتحرّك دائماً انطلاقاً من مبادراته الفردية الخاصّة. أما المسألة الثالثة والأخيرة فتطالعنا في علاقة الفنون بالعلوم والتقنيات الحديثة. هل يمكن أن نقرأ النتاجات الفنية بمعزل عن الإنجازات العلمية والتكنولوجية الهائلة؟ مع التطوّر العلمي ولدت نظرة جديدة إلى العالم، فهل يعقل أن تظلّ الفنون غريبة عن هذا التطوّر ولا تأخذه في الاعتبار؟ إبتكار آلة التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر كان أثار عند الفنانين التشكيليين في الغرب العديد من الأسئلة، فما الذي يثيره التطوّر التقني والتكنولوجي ومنجزاته وأثره الكبير على مجالات الإبداع المختلفة؟ هناك عدد متزايد من الفنّانين أدخل النواظم المعلوماتية في تكوين نتاجهم. لكن أيقتصر تأثّر الفنون بالعلوم عند هذا الحدّ، أم يذهب أبعد من ذلك إلى حدّ طرح السؤال التالي: «ما مستقبل الرؤية الفنية في ظلّ تقنية تكاد، أحياناً، أن تنسخ الحلم؟». ثمة تحوّل عميق إذاً بدأ يطرأ على الثقافة بمعناها الواسع. ومن العلامات الأساسيّة لهذا التحوّل أيضاً ما يمكن تسميته بالواقع الافتراضي، ويتبدّى هذا الواقع اليوم بوصفه تتويجاً للثورة العلميّة وللتقدّم التقني، وبالأخصّ في مجال المعلوماتية والإنترنت والآلات الإلكترونية الحاسبة والتقنيات الصوَرية ثلاثيّة الأبعاد... وهذا ما يمثّل عالماً موازياً هو، هذه المرة، من ابتكار الأنظمة الآلية الحديثة التي تفتح آفاقاً غير مسبوقة وسيكون تأثيرها حاسماً على مستوى العالم أجمع. كان بزوغ العصر الصناعي في الغرب (وسيطرة الإنسان على موارد الطبيعة) مرادفاً، في نظر بعض المفكرين الغربيين، للتقدّم والازدهار. كان ثمة وعد بخلاص، لكنّ الوعد لم يتحقّق. والتطوّر العلمي الذي أحدث تغيّراً كبيراً في مسار التجربة الإنسانية لم يساعد على ابتكار أنساق جديدة توجّه علاقات البشر فيما بينهم على أسس الحرية والعدالة. بخلاف ذلك ظلّ شبح الحروب ماثلاً، وزادت نسبة الفقر والتخلّف في العالم الثالث، وكذلك التعصّب القومي والديني، على خلفيّة من زيادة عدد السكان التي بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1930. هذا بالإضافة إلى أنّ توازن العوالم البيولوجية والثقافية بات مهدّداً أكثر من أيّ وقت مضى. وإذا كانت أهمية التقدّم العلمي تتحدّد فعلاً في كيفيات استعماله، فنحن الآن أمام مرحلة انتقالية كبرى في تاريخ الإنسانية، وهي من هذا المنطلق مرحلة إعادة طرح الأسئلة بالنسبة إلى كلّ شيء حتى بالنسبة إلى ما كنّا نخاله، حتّى الأمس القريب، ثابتاً ونهائياً. غير أنّ السؤال الفعلي يبقى، في المقام الأوّل، سؤالاً إنسانياً. إنّه سؤال حول «بناء إنسانيات جديدة»، لأنّ ما يتهدّد الإنسان اليوم لا يطول الفنون وحدها... على الرغم من هذا الواقع، سنظلّ ننظر إلى هناك، إلى المكان الذي يولد فيه الفنّ والشعر، إلى الجهة الأخرى الأكثر احتفاءً بالحميم والجوهر، أو كما يعبّر الكاتب الفرنسي كريستيان بوبان: «نحن لا نكتب لكي نصبح كتّاباً، بل لكي ننضمّ بصمت إلى الحبّ الذي لا يستقيم بدونه حبٌّ أبداً».